وكذلك كاد ترفع الاسم وتنصب الخبر ، ومن شروط كاد أن لايدخل على خبره «أن» كقولك كاد زيد ، وقال تعالى : «وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم» (١) «وكادوا يكونون عليه لبدا» (٢) وهذا إذا كان للحال ، وإن كان للاستقبال شبه بعسى ، فادخل على خبره «أن» كما قال (٣) :
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
فهذا ما علقناه على شيخنا أبي الحسن النحوي رحمه الله ومعنى الحديث والله أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل الدنيئة والمطاعم الوبيئة ، وإذا وجد أولاده يتضورون من الجوع والعرى ، ورأى نفسه لا يقدر على تقويم أودهم وإصلاح حالهم ، والتنفيس عنهم ، كان بالحري أن يسرق ويخون ، ويغصب وينهب ويستحل أموال الناس ، ويقطع الطريق ، ويقتل المسلم ، أو يخدم بعض الظلمة فيأكل مما يغصبه ويظلمه ، وهذا كله من أفعال من لا يحاسب نفسه ، ولا يؤمن بيوم الحساب ، فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا ، وفي الاثر : عجبت لمن له عيال وليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف؟.
وقوله عليهالسلام : «كاد الحسد أن يغلب القدر» المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في النظر في إزالة النعمة عن المحسود ، أو التنى لذلك ، فانه ربما يحمله حسده على قتل المحسود ، وإهلاك ماله ، وإبطال معاشه ، فكأنه سعى في غلبة المقدور لان الله تعالى قد قدر للمحسود الخير والنعمة ، وهو يسعى في إزالة ذلك عنه ، وقيل : الحسد منصف لانه يبدأ بصاحبه ، وقيل : الحسود لا يسود ، وقيل : الحسد يأكل الجسد ، وقال الشاعر :
اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله
النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله
«وكاد» تعطي أنه قرب الفعل ولم يكن ، وتفيد في الحديث شدة تأثير
____________________
(١) القلم : ٥١. (٢) الجن : ١٩.
(٣) يعنى رؤبة : ربع عفاه الدهر طولا فانمحى قد كاد الخ.