عن الله تعالى وهو الطبع والرين ، قال الله تعالى : «كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون» (١) وقال الله : «أن لونشاء لاصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون» (٢) فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى حيث قال : «واتقوا الله واسمعوا» (٣) «واتقوا الله ويعلمكم الله» (٤).
ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب ، وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق ، وصلاح الدين ، ويستهين بالآخرة ، ويستعظم أمر الدنيا ويصير مقصورا لهم عليه ، فاذا قرع سمعه امر الآخرة ، وما فيها من الاخطار ، دخل من اذن وخرج من الاخرى ، ولم يستقر في القلب ، ولم يحركه إلى التوبة والتدارك «أولئك الذين يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور» (٥).
وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة ، قال بعضهم : روي عن النبي صلىاللهعليهوآله : قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس ، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب ، ومعصيته مسودات له فمن اقبل على المعاصي اسود قلبه ، ومن اتبع السيئة الحسنة ومحى اثرها لم يظلم قلبه ، ولكن ينقص نوره ، كالمرآة التي يتنفس فيها ثم يمسح ، ثم يتنفس ثم يمسح ، فانها لم تخلو عن كدورة ، قال الله تعالى «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون» (٦).
فأخبر أن جلاء القلب وإيضاءه يحصل بالذكر ، وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا ، فالتقوى باب الذكر ، والذكر باب الكشف ، والكشف باب الفوز الاكبر
____________________
(١) المطففين : ١٤.
(٢) الاعراف :. ١٠٠
(٣) المائدة : ١٠٨.
(٤) البقرة : ٢٨٢.
(٥) الممتحنة : ١٣.
(٦) الاعراف : ٢٠١.