ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع ، قال أبوعبيد : ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ، ولكنه على الاختلاف في اللفظ ، وهو أن يقرأ الرجل على حرف فيقول الآخر ليس هو هكذا ، ولكنه على خلافه ، وكلاهما منزل مقروء بهما ، فاذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون يخرجه ذلك إلى الكفر ، لانه نفى حرفا أنزله الله على نبيه.
وقيل : إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني ، على مذهب أهل الكلام ، وأحصاب الاهواء والآراء ، دون ما تضمنت من الاحكام ، وأبواب الحلال والحرام ، لان ذلك قد جرى بين الصحابة ومن بعدهم من العلماء ، وذلك فيما يكون الغرض والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز ، والله أعلم.
وقال : فيه ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا ، الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة والمخاصمة ، والمراد به في الحديث الجدل على الباطل وطلب المغالبة به فأما المجادلة لاظهار الحق فان ذلك محمود لقوله تعالى : «وجادلهم بالتي هي أحسن» (١).
وقال الراغب : الخصم مصدر خصمته اي نازعته خصما يقال خصمته وخاصمته مخاصمة وخصاما ، وأصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر اي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب (٢).
واقول : هذه الالفاظ الثلاثة متقاربة المعنى ، وقد ورد النهي عن الجميع في الآيات والاخبار ، وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل العلمية والمخاصمة في الامور الدنيوية ، وقد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار الفضل والكمال ، والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم وذلته.
وقيل : الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم ، وقيل : لا يكون المراء إلا
____________________
(١) النحل : ١٢٥.
(٢) مفردات غريب القرآن ص ١٤٩.