رهبانيتهم كانت هي ، فيدل على أن الآية مسوقة لمدح الرهبانية لا ذمها ، والآية تحتملهما ، وعلى المدح كانت مندوبة في شريعتهم ، فأوجبوها على أنفسهم بالنذر و شبهه ، كما يفهم من قوله تعاله « ما كتبناها عليهم » قال الطبرسي ره : (١) الرهبانية هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة إما في لبسة ، أو الانفراد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الامور التي يظهر فيها نسك صاحبه ، والمعنى ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم.
وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء ، واتخاذ الصوامع عن قتادة قال : وتقديره ورهبانية ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها.
وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلىاللهعليهوآله فمارعاها الذين بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلىاللهعليهوآله عن ابن عباس ، وقيل : إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة ما كتبناها عليهم اي ما فرضناها عليهم.
وقال الزجاج : إن التقدير ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ، وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر الله به فهذا وجه وقال : وفيها وجه آخر جاء في التفسير ، أنهم كانوا يرون ما ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا فيه ، لزمهم إتمامه ، كما أن الانسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمه.
قال : وقوله « فما رعوها حق رعايتها » على ضربين أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم ، والآخر وهو الاجود أن يكونوا حين بعث النبي صلىاللهعليهوآله فلم يؤمنوا به ، كانوا تاركين إطاعة الله ، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها ، ودليل ذلك قوله « فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم » يعني الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآله « وكثير منهم فاسقون » أي كافرون إنتهى.
____________________
(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٤٣.