جبرئيل عليهالسلام أتاه به ، وذلك معلوم ضرورة لا يمكن لاحد دفعه ، وهذا غاية التحدي في المعنى.
وأما الكلام في أنه لم يعارض ، فلانه لو عورض لوجب أن ينقل ولو نقل لعلم ، كما علم نفس القرآن ، فلما لم يعلم ، دل على أنه لم يكن ، وبهذا يعلم أنه ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما لانه لو كان لنقل وعلم ، وإنما قلنا إن المعارضة لوكانت لوجب نقلها لان الدواعي متوفرة على نقلها ، ولانها تكون الحجة ، والقرآن شبهة ، لوكانت ، ونقل الحجة أولى من نقل الشبهة وأما الذي نعلم به أن جهة انتفاء المعارضة التعذر لا غير ، فهو أن كل فعل ارتفع عن فاعله مع توفر دواعيه إليه ، علم أنه ارتفع للتعذر ، ولهذا قلنا إن هذه الجواهر والاكوان ليست في مقدورنا ، وخاصة إذا علمنا أن الموانع المعقولة مرتفعة كلها ، فيجب لنا أن نقطع على أن ذلك من جهة التعذر لا غيره وإذا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن فلم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى المعارضة ، علمنا أنهم لم يعارضوه للتعذر لا غير ، وإذا ثبت كون القرآن معجزا وأن معارضته تعذرت لكونه خارقا للعادة ، ثبت بذلك نبوته المطلوبة.
ثم اعلم أن الطريق إلى معرفة صدق النبي صلىاللهعليهوآله أو الوصي عليهالسلام ليس إلا ظهور المعجز عليه ، أو خبر نبي ثابت نبوته بالمعجز ، والمعجز في اللغة ما يجعل غيره عاجزا ، ثم تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن مثله ، وفي الشرع هو كل حادث من فعل الله أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق لدعوته أو ما يجري مجراه.
واعلم أن شروط المعجزات امور :
منها أن يعجز عن مثله أو عما يقاربه المبعوث إليه وجنسه ، لانه لو قدر عليه أو واحد من جنسه في الحال لما دل على صدقه ، ووصي النبي حكمه حكمه.
ومنها أن يكون من فعل الله أو بأمره وتمكينه لان المصدق للنبي بالمعجز هو الله ، فلا بد أن يكون من جهته تعالى.