أحمد يزوره علىٰ عادته ، فرأىٰ القبر قد التصق بالاَرض ولم يبقَ منه إلّا القليل ، فقال : هذا من كثرة الغيث.. فسمع أحمد من القبر يقول له : لا ، بل هذا من هيبة الحقّ عزَّ وجلَّ ، لأنّه عزَّ وجلَّ قد زارني ، فسألته عن سرِّ زيارته إيّاي في كل عام ، فقال عزَّ وجلَّ : يا أحمد ، لأنّك نصرت كلامي ، فهو يُنشر ويتلىٰ في المحاريب.
يقول الحربي : فأقبلت علىٰ لحده أُقبِّله ، ثمَّ قلت : يا سيدي ، ما السر في أنّه لا يُقبَّل قبرٌ إلّا قبرك ؟
فقال لي : يا بنيَّ ، ليس هذا كرامة لي ، ولكن هذا كرامة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ معي شعرات من شعره.. ثمَّ قال : ألا ومن يحبني لِمَ لا يزورني في شهر رمضان؟ (١).
وليست العبرة في صحَّة هذه الأخبار أو عدم صحَّتها ، إنَّما العبرة في ملاحظة أنّ ثقافة الزيارة عند الحنابلة لا تختلف كثيراً عنها عند الصوفية ، إلّا في ممارسات خارجية قد يصنعها بعض الصوفية دون الحنابلة.. مع ملاحظة أنّ دعاة السلفية من المنتسبين إلىٰ مذهب أحمد بن حنبل حين حاربوا هذا النمط من ثقافة الزيارة قد وجَّهوا حملاتهم علىٰ التراث الصوفي خاصةً ، وتراث الطوائف الإسلامية الأخرىٰ عامة ، وغضّوا الطرف كاملاً عمّا تراكم في تراثهم من ذلك.
ولا ريب في أنّ الأحداث التي دوَّنها ابن الجوزي في ( المنتظم ) في هذا الموضوع كانت صحيحة ، وفيها حدثان كان فيهما شاهداً ومعايشاً ، وثمَّة حقيقة أُخرىٰ يثبتها ، ويشاركه فيها ابن كثير ، قد تفوق كلَّ ما تقدَّم ذكره في ما تعارف عليه الحنابلة في الزيارة..
_________________________________
(١) مناقب أحمد : ٦٠٧.