منها ما يشاء ويرمي بما يشاء مستعملا دائما غربال العقل ومرجعيّة القرآن الشفافة ...
وبالفعل ما إن مرّت أيام قلائل حتّى جمعتني نزهة في واحات وغابات الرمّان الكثيفة التي تمتاز بها مدينتي ، مدينة « قابس » وكان يرافقني زيادة على الصديق الشيعي اثنين من جيراني.
في أثناء الطريق الذي تتدلّى على جانبيه أغصان الرمّان المحمّلة بثمراتها والّتي تنوء بحملها ، والتي كثيراً ما كنّا ونحن أطفال نقتطف منها ثم نسرع هاربين ونفاجأ بصاحب البستان ينادينا بابتسامة عريضة ، فيملأ لنا أيدينا بالرمان الذي كان يربطه لنا بخيط يعقده على رؤوس مجموعة من الرمانات ، فنعود فرحين وخجلين من كرم أولئك المزارعين الظرفاء.
في أثناء الطريق فاجأني صديقي بسؤال قائلاً : إذا كنت بين أناس غير مسلمين وسألوك ما هي نظريّة الإسلام في الحكم ماذا كنت تجيب ؟
أجبت صديقي ببداهة : الشورى ، نعم الشورى التي طالما سمعت خطباءنا ومدرّسينا يذكرونها كلّما مرّوا بهذا الموضوع.
استدرك عليّ صاحبي : بأيّ دليل تقول هذا الكلام.
قلت بكل عفويّة : بالقرآن والسنّة.
فقال محاججاً : هات من القرآن ؟
قلت : على ما أذكر هناك آيتان نزلتا في مسألة الشورى ولا ثالث لهما ، وهاتان الآيتان هما قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (١) ، و ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
_____________________
١) سورة الشورى : ٣٨.