( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) ، جاء بنظرية كاملة في الحكم وفي غير الحكم ، فإذا كانت هذه النظرية هي الشورى كما تدّعي ، فلا بدّ وأن تكون قائمة ثابتة مهما اختلفت الأزمان والأمكنة ، فهل يمكن أن نأتي الآن ونقول ـ كما يقول البعض ـ إنّ الإفطار في شهر رمضان للمسافر حرام لأنّ وسائل السفر الآن مريحة ومكيّفة ولم يعد السفر شاقّا كما كان من قبل ، وبذلك نضرب بقوله تعالى : ( وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٢) ، والآية فضلا عن هذا ليست منسوخة.
ولنعد الآن إلى مسألة شورى عمر ، فإنّ عمر بن الخطّاب قال عند مرضه : « لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح باقيا استخلفته وولّيته ... ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ... ولو أدركت خالد بن الوليد لولّيته ... » (٣) ، وفي قول آخر : « لو أدركت سالم مولى أبي حذيفة لولّيته » (٤). فلو كان واحد هؤلاء حيّا لما فكّر في الشّورى أصلاً ولضرب بها عرض الحائط.
وقول عمر حول هؤلاء الستّة : « ولكنّي سأستخلف النفر الذين توفّي رسول الله وهو عنهم راض » (٥). فهل يعني هذا أنّ البقية من
_____________________
١) سورة الأنعام : ٣٨.
٢) سورة البقرة : ١٨٥.
٣) أنظر : تاريخ الطبري ٤ / ٢٢٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٥ مع اختلاف يسير في الألفاظ ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ١ / ٤٢.
٤) مسند أحمد بن حنبل : مسند عمر حديث رقم ١٣٠ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٢٧ ، والكامل في التاريخ ٣ / ٦٥.
٥) أنظر : طبقات ابن سعد ٣ / ٢٤٨ ترجمة عمر ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٢٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٥.