أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ، ولان الصبر على ولاة الامر مفروض لقول الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوآله : « فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل » (١) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقول : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (٢) فحسبك من الجواب في هذا الموضع ما سمعت ، فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه.
وأما قوله : « فجاء ربك والملك صفا صفا » (٣) وقوله : « ولقد جئتمونا فرادى » (٤) وقوله : « هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك » (٥) فذلك كله حق وليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه ، فانه رب كل شي ء ، ومن كتاب الله عزوجل ما يكون تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبه تأويله كلام البشر ولا فعل البشر ، وسانبئك بمثال لذلك تكتفي به إنشاء الله ، وهو حكاية الله عزوجل عن إبراهيم عليه السلام حيث قال : « إني ذاهب إلى ربي » (٦) فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله.
وقال : « أنزل إليكم من الانعام ثمانية أزواج » (٧) وقال : « وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد » (٨) فانزاله ذلك خلقه إياه ، وكذلك قوله : « إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين » (٩) أي الجاحدين فالتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.
ومعنى قوله : « هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك » فانما [ هي ] خاطب نبينا صلىاللهعليهوآله هل ينتظرون المنافقون والمشركون إلا أن تأتيهم الملائكة فيعاينوهم أو يأتي ربك أو يأتي بعض
__________________
(١) الاحقاف : ٣٥.
(٢) الاحزاب : ٢١.
(٣) الفجر : ٢٢.
(٤) الانعام : ٩٤.
(٥) الانعام : ١٥٨.
(٦) الصافات : ٩٩.
(٧) الزمر : ٦.
(٨) الحديد : ٢٥.
(٩) الزخرف : ٨١.