وما أراها إلاّ أنصر مذهبك ( عقيدتك ) ظالمة أو مظلومة. بينما أعيذك باللّه أن تواصل السير في مثل هذه السبيل الشاذة ، لأ نّي ما أرى مغبة الاستمرار في منوالها إلاّ أن تحمل لها عواقب أقل ما يمكن أن تتمثل فيه هو الحرمان من نعمة الصديق والأحبة ، فلا تجد بعد ذلك ربيباً ولا حميماً ».
تساءل بدهشة ، وكأنه يستفسر عن أمر غاب عنه :
ـ « أتقصد : الأخلاّء؟ ».
ـ « وذلك حين يكون يومئذ بعضهم عدواً لبعض ، فلو أسررت لنفسك أن تبقى على التعبد على مذهبك حتّى ولو امتاز لناظريك أنّه في عداد المبطلات. وذلك عزماً منك على أن تبقى إلى جانب أهلك وإخوانك. ولربما وجدتك تقسم ، أنّه لو دخل أهلك النار للحقت بهم ، يحدوك العزم على عدم الحنث بمثل هذا القسم أبداً .. ولو اطلعت على الغيب لما كان لك أن تفكر كذلك .. ألا ترى أن المرء لو أبتلي بالجنون تنكّر لاهليه .. ولربما حمل عليهم ، وهاجمهم بقصد القتل والاجرام. كذلك لو ابتلي بفقدان الذاكرة لتراه ينسى أباه وأُمه ، وإخوانه وإخواته أجمعين. بل لا يصير يذكر منهم أيّما أحد ، ولو مثلوا بين يديه ، واعتصروا مناديلهم دماً بدل الدموع. أو ما ترى أن المرء يموت فلا يحتمل أهله أن يمكث إلى جوارهم في المنزل حتّى يسارعون إلى قبره ، والعود بعد ذلك إلى حياتهم الطبيعية بعد أن يؤانسوا في أنفسهم مشاعر الوجد التي لها أن تزول بمرور الوقت والزمان .. يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم. وإنّ بوسعي أن أُقسم ، أن ما يستاقك إلى التلبس بمثل هذه المشاعر والأعراب عن مثل هذه الأحاسيس ، ما هي إلاّ شمائل استطاع الآباء ، ومن طريقها أن يخترقوا مستقبل المرء ، ويخترموا جُدُر مصائره ، ومن