المسائل التي لم يتعرّضوا لها بنزاهة وموضوعيّة ، قد تركت أثراً فعّالاً في الخلاف والاختلاف والتنافر واتبّاع الهوى والعصبيّة العمياء ، ومعاداة الآخرين والتطاول عليهم ، كلّ ذلك بسبب ترك الدراسة الموضوعيّة المتكاملة للمسائل ، وأيضاً التعصّب والتقليد الأعمى.
ومن أهمّ تلك المسائل التي لم تدرس بموضوعيّة متكاملة ، هذه المسألة التي بين أيدينا ، وهي مسألة الصحابة وعدالتهم أجمعين ، فهل السنّة قد أخذوا بآية واحدة فقط تتحدّث عن الصحابة وتركوا بقيّة الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عنهم ، ولذلك فإنّ المسألة لا زالت غير موضوعيّة ، بل أدّت في الحقيقة إلى طمس معالم الدين ، فهم قد أخذوا بقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١) ، ومن خلال هذه الآية فقط بنوا كلّ معتقداتهم في الصحابة من عدالة وعصمة وهالة قدسيّة ونقل للدين والأحكام دون تقص أو متابعة لما هو موجود في القرآن الكريم ، أو في الأحاديث النبويّة ، أو في المسيرة التاريخية للعصر الأوّل من الإسلام.
فالبحث والنظر الدقيق والمفصّل في هذا الموضوع ضروريّ جدّاً ، حتّى تعرف كلّ الأمور على حقيقتها ، وحتّى تستطيع أنْ تحدّد عمّن تأخذ دينك وأحكامك بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ; لأنّ الأمر ليس متروكا هكذا ، بل لابدّ من أشخاص بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوثق بهم ، وبعدالتهم يحملون هذا الدين العظيم ، بشرط أنْ تكون النصوص الشرعية هي التي تحدّد نوعيّة أولئك الأشخاص ومن هم؟ وإلا فلو تُرك الأمر هكذا دون رعاية ووعاية ، فإنّ الدين والمنهج سوف يضيع ، لأنّك سوف تعتبر ما ليس بدين هو دين من مجرّد نقله عن أناس لا تدري هل هم عدول أم لا ، أو هل أوصى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالأخذ عنهم أو حذّر منهم ،
__________________
(١) التوبة : ١٠٠.