* وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (١).
وبملاحظة هذه الآية الشريفة تظهر قضية العصمة بوضوح ، فإنّ الله سبحانه وتعالى يصف الأنبياء بأنّهم القدوة. وإنّ من شملته الهداية الإلهية لا ضلالة له ولا مضلّ له ، وإنّ العصيان هو نفس الضلالة ومقارن لها وملازم لها ، فعندما يقول الحقّ سبحانه في سورة يس : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا) (٢) ، فهل كانت ضلالتهم إلا العصيان ومخالفة أمر الله وعدم اجتناب نهيه.
فإذا كان الأنبياء مهديين بهداية الله سبحانه وتعالى ، فإنّ الضلال لا يتطرّق إلى من هداه الله واجتباه واصطفاه لتبليغ الحقّ والهدى إلى العباد ، ومن يحمل كلّ هذه الصفات ، فإنّ المعصية والتي هي في الأصل ضلال عن الحقّ لا يمكن أنْ تتطرّق إليه أيضاً ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال.
أضف إلى ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى وعد المطيعين لله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّهم من الذين يحشرون مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم ، إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء : (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا) (٣).
وعلى مفاد هذه الآية فالأنبياء من الذّين أنعم الله عليهم بلا شك ولا ريب ، وهو سبحانه يصف تلك الطائفة ، أعني : من أنعم عليهم ( بقوله : بأنّهم ) غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
فإذا انظمت الآية الأولى الواصفة للأنبياء بالإنعام عليهم ، إلى هذه الآية
__________________
(١) يس : ٦٠ ـ ٦٢.
(٢) يس : ٦٢.
(٣) النساء : ٦٩.