عزيزون بالإجتماع، فكن قُطباً، واستدر الرحا بالعرب.
إنَّك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتىٰ يكون ما تدع وراءك من العورات أهمُّ إليك ممَّا بين يديك. إنَّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدُّ لَكَلِبهم عليك، وطمعهم فيك » (١).
وبحقٍّ إنَّ كلَّ كلمة من كلمات هذه الخطبة تعكس لنا عظمة علم الإمام عليهالسلام.. وتنمُّ عن شخصيته المجلَّلة بالكمال والحكمة والصدق، وبحقٍّ إنَّه كما قيل : «هو القرآن الناطق، وما بين الدفَّتين القرآن الصامت» فهو عليهالسلام لم يأخذ إلَّا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو معلِّمه الأوَّل والأخير الذي يستقي كماله من الله عزَّ وجلّ..
فاستبشر عمر بهذه النصيحة العظيمة وعمل بها، وكان باباً للفتوح وقنطرة لانتصارات عدَّة..
أمَّا أمير المؤمنين عليهالسلام فقد قنع من الدنيا أن لا يتكلَّم إلَّا بلسان البررة الأطهار، ليقدِّم للمسلمين، ويحافظ علىٰ الشريعة المطهرة، ويمنع من مخالفتها قولاً أو فعلاً، في أكثر الموارد التي أوضح فيها المشكلات على عمر وحال دون تطبيق أحكام منها على خلاف الكتاب والسنة، بحيث لو سكت لكانت أحكاماً تتّبع، حتىٰ قال فيه عمر : «لولا عليٌّ لهلك عمر»، «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن».
كذا رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، متجاهلاً حقَّه، من أجل
_______________________
١) نهج البلاغة، الخطبة : ١٤٦.