فقال ابن عبد البر : « بويع لعليٍّ رضياللهعنه بالخلافة يوم قُتل عُثمان ، فاجتمع علىٰ بيعته المهاجرون والأنصار ، وتخلَّف عن بيعته نفرٌ منهم ، فلم يهجهم ولم يُكرههم . . » (١) .
وكان ممَّن تخلَّف عن بيعته يوم ذاك : حسَّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وزيد بن ثابت ، ومروان بن الحكم ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وعبد الله بن عمر ، ومعاوية ومن معه في جماعة أهل الشام وآخرون (٢) ، وعائشة بنت أبي بكر ، زوج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث وقفت من الإمام عليٍّ أشدَّ المواقف العدائية التي سنقف عليها لاحقاً .
علىٰ أي حال قد تمَّت البيعة المثالية ، التي لم يشهد التأريخ مثلها علىٰ جوانب صفحاته ، بيعة ليس لها نظيرٌ قطُّ ، اندفع كلُّ الناس يتسابقون أيُّهم يحوز الفضل قبل صاحبه . . ولم يفد معهم كلام ولا حجَّة ، فكانوا مصرِّين علىٰ بيعته حتىٰ « وبلغ من سرور الناس بيعتهم إيَّاي أن ابتهج بها الصغير ، وهَدَجَ إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب . . » (٣) . لا يرتضون له بديلاً حتىٰ وإن أعلمهم بحقيقة الأمر وسياسته التي قد لا تُرضي الجمهور !
قد وضعهم أمام السياسة الواضحة ؛ إذ قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنَّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . . وإنَّ الآفاق قد أغامت ، والمحجَّة قد تنكَّرت . . » .
_______________________
١) تهذيب الكمال ١٣ : ٣٠٤ .
٢) أنظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٨٢ حيث ذكر عشرة أشخاصٍ تخلفوا عن بيعة الإمام .
٣) نهج البلاغة ، الخطبة : ٢٢٩ .