فقال له جماعة من المسلمين، الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليُّ، أجب إلىٰ كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه، وإلَّا دفعناك برمَّتك إلىٰ القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان!
قال : « فاحفظوا عنِّي نهيي إيَّاكم، واحفظوا مقالتكم لي، فإن تطيعوا فقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم » (١).
لم تكن بينهم وبين معاوية إلَّا بضعة أمتار، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام عليهالسلام أن يسيطر علىٰ الموقف ويستأصل رأس الفتن، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجرىٰ الأُمور إلىٰ أسوأ حال، فحالت دون تحقيق الهدف المنشود، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات!
ثمَّ قالوا للإمام : ابعث إلىٰ الأشتر فليأتكَ، فرجع الأشتر مغضباً بعدما أوشك علىٰ النصر، فأقبل إليهم الأشتر، وقال : يا أهل العراق! يا أهل الذلِّ والوهن! أحين علوتم القومَ وظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلىٰ ما فيها، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها وسُنَّة مَنْ أُنزلت عليه؟ فأمهلوني فواقاً، فإنِّي قد أحسستُ الفتح (٢).
لكنَّهم أبوا إلَّا التحكيم!
وجعل أهل الشام عمرو بن العاص علىٰ التحكيم، وأراد الإمام عليهالسلام أن يجعل عبدالله بن عبَّاس، لكنَّهم أبوا إلَّا أبا موسىٰ الأشعري، ولمَّا رأىٰ أنه لا تنفع معهم حجَّة حكَّمه علىٰ مضض!
_______________________
١) أنظر : الكامل في التاريخ ٣ : ١٩٢ ـ ١٩٣، وسير أعلام النبلاء ٢ : ٢٦٤ مختصراً.
٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١٧ ـ ٣١٨.