بنفقة رجل مثله ، فعند ذاك قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمَّيه الحمزة والعبَّاس : « ألا نحمل ثقل أبي طالب ، ونخفِّف عنه عياله ؟ »
فجاءوا إليه وسألوه أن يسلِّمهم وِلده ليكفوه أمرهم ، فقال لهم : دعوا لي عقيلاً وخُذوا من شئتم ، فأخذ العبَّاس طالباً ، وحمزة جعفراً ، وأخذ محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم عليَّاً عليهالسلام (١) .
وانتقل عليٌّ عليهالسلام وهو في مطلع صباه إلىٰ كفيله محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فرُبِّي في حجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يفارقه ، وكانت فاطمة بنت أسد كالأُمِّ للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد كالأُمِّ لعليٍّ عليهالسلام .
فنشأ عليٌّ عليهالسلام في بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرعاه وينفق عليه ، فحاز بذلك من الشرف ما لم يحزه غيره . . فقد نشأ يستلهم من معلِّمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية ، وكذا دقائق الحكمة والمعرفة ، حتَّىٰ أدرك من الحقائق ما لم يدركه بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد غيره ، حتىٰ تطبّع بصفات كافله ، ولم تكن فيه صفة إلَّا وهي مشدودة بصفات معلِّمه الأول والأخير ، وما من شيء أنكره قلب محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلَّا وأنكره قلب عليٍّ عليهالسلام ، وكان هذا قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وأدرك التلميذ من معلِّمه العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة ، بل وأسرار الوجود ، وأصبح المثل الأعلىٰ في جميع شمائله وأفعاله ، وتحلَّىٰ بأعلىٰ ذروة من ذرىٰ الكمال الروحي والأخلاقي .
_______________________
١) الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٢ .