وهذا أدلّ دليل عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات ، فلابّد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه. وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الأمّة عدم اتّباعهم لحدود القرآن ، وإن أقاموا حروفه كما في الرواية ...
رابعاً : لو سلّم تواتر هذه الروايات في السند ، وصحّتها في الدلالة ، لمّا ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن ، فلعلّه يقع في المستقبل زيادة ونقيصة ، والّذي يظهر من البخاري تحديده بقيام الساعة ، فكيف يستدلّ بذلك على وقوع التحريف في صدر الإسلام وفي زمان الخلفاء؟!(١)
إنّ كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه ثمّ قال : فإنّك قد عرفت أنّ القرآن لم يكن مجموعاً مرتبّاً في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وإنّما كان منتشراً متشتّتاً عند الأصحاب في الألواح والصدور ، مع احتمال أنّه لم يكن بعضه عند أحد منهم كما أشير إليه في بعض الأخبار. نعم جمعت عند النبيّ صلىاللهعليهوآله نسخة متفرّقة في الصحف والحرير والقراطيس ورثها عليّ عليهالسلام ولمّا جمعها بعده صلىاللهعليهوآله بأمره ووصيّته وألّفه كما أنزل الله تعالى ثمّ عرضها عليهم فأعرضوا عنه وعمّا جاء به. (٢)
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٢١.
(٢) فصل الخطاب ، ص ٩٦.