كان مع الله جل جلاله يتصرف بأمره في الصوم والافطار ، في السر والاعلان فصومه طاعة سعيدة وإفطاره بأمر الله جل جلاله عبادة أيضا جديدة ، فيكون خروجه من الصوم إلى حكم الافطار ، خروج متمثل أمر الله جل جلاله ، وتابع لما يريده من الاختيار ، متشرفا ومتلذ ذا كيف ارتضاه سلطان الدنيا والاخرة أن يكون في بابه ، ومتعلقا على خدمته ، ومنسوبا إلى دولته القاهرة وكيف وفقه للقبول منه ، وسلمه من خطر الاعراض عنه.
وإياه وأن يعتقد أنه بدخول وقت الافطار قد تشمر من حضرة المطالبة بطهارة الاسرار ، وصلاح الاعمال في الليل والنهار ، وهو [ أن ] يعلم أن الله جل جلاله ما شمره إلا مزيد دوام إحسانه إليه ، وإقباله بالرحمة عليه ، وكيف يكون العبد مهونا باقبال مالك حاضر محسن إليه ، ويهون من ذلك مالم يهون ، ألم يسمع مولاه يقول : « وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون (١).
فصل : فيما نذكره من الوقت الذي يستحب فيه الافطار.
أقول : قد وردت الروايات متناصرة عن الائمة عليهم أفضل الصلوات أن إفطار الانسان في شهر رمضان بعد تأدية صلاته أفضل له وأقرب إلى قبول عبادته فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى علي بن فضال من كتاب الصوم عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر.
أقول : وأما إن حضره قوم لا يصبرون إلى أن يفطر معهم بعد صلاته ، و يكونون ممن يقدمون الافطار ، فليفطر معهم رضا لله جل جلاله وتعظيما لمراسه وتماما لعبادته ومراد ذلك لمالك حياته ومماته ، فليقدم الافطار معهم على هذه النية محافظا به على تعظيم الجلالة الالهية ، وإن كان القوم الذين حضروه يشغله إفطاره معهم عن مالكه ويفرق بينه وبين ما يريد من شريف مسالكه فيرضيهم بالاكرام في الطعام ويعتذر إليهم في المشاركة لهم في الافطار ببعض الاعذار ، التي يكون فيها مراقبا للمطلع على الاسرار ، وإن كان الحاضرون ممن يخافهم إن
__________________
(١) كتاب الاقبال : ١١٠ ـ ١١٢ والاية في سورة الذاريات : ٥٦.