برودته. فان الماء إنما صار يبطئ في المواضع تحت الشراسيف ، وتولد الرياح التي تنفخ البطن ، وتفسد في المعدة ، وتحل قوتها. ويصار تعود الغذاء الى العروق لبرده ، فلذلك صار الماء في طبيعته على ضد ما عليه الشراب. وذلك أن الشراب إن وجد رياحا ونفخة في المواضع التي تحت الشراسيف ، حلّلها وأضمر البطن ولا تبطيء هناك ، لاعتدال حرارته ، وتفتح الطرق ، ليعود الغذاء منها فيها ، ويعين على دفعه بسرعة ، ووصوله الى كل واحد من الأعضاء وهو مع ذلك محمود الغذاء ، معدّل الأخلاط الرديئة التي يصادفها في المعدة ، وفي العروق. ويعين على دفع الفضول. ولذلك يدر البول ، وخاصة إن لم يكن قوّي القبض ، لأنه ينفذ بسرعة في البدن كله. ثم ذكر جالينوس في هذه المقالة أنه لا ينبغي للناقه وصاحب المعدة الضعيفة. أن يشرب من شرابه حتى يأكل قبل أن يستمريء غذاه. وذلك أنه ان يتبرد في ذلك الوقت طغى الطعام في رأس معدته ، ولم يطلق الطعام أيضا جرم المعدة حتى تحب له ويهضمه ، لأن رطوبة الشراب تحول فيما بينه وبينه ، فيبطئ بسبب ذلك الاستمراء فان عطش فينبغي أن يسقى من الشراب يسيرا ، حتى يسكن عنه. وإذا استمرأ الليلة من الشراب ، وما يكتفي به في الليل ، وهذا التدبير لجالينوس في كتاب « حيلة البرء » أيضا. وقد ينبغي لصاحب هذه الحال أن يتجنّب الجماع ، ويحذر التعب ، والنصب والهم والغضب ، فان ذلك مما يزيد في اليبس ، وينقص من رطوباتهم. ويضمدوا المعدة بضماد متخذ من دقيق الشعير ، وقشور القرع. والرجلة والخطمى ، وماء القثّى ، وماء عصا الراعي مع نوار البنفسج ودهن البنفسج وما أشبه ذلك.
فان غلب على المعدة برد يسير ، فينبغي أن يداوى بالأشياء الرطبة التي ليست معها حرارة قوية. فإن الأشياء التي معها حرارة قوية ، تزيد في اليبس والذي يقصد اليه الفاصد في هذه العلة هي اليبس. وينبغي أن يخلط باليبس الأول من الأشياء المسخّنة بحسب ما حالت المعدة اليه من البرد ، فتخلط في اللبن ، من العسل ويسقى من الشراب القليل المزاج ، فتكون الأطعمة أسخن لا في قوتها فقط. لكن في ملمسها وتمرّخ المعدة بدهن الناردين ، أو بدهن المصطكى ، أو بدهن الخيري مع المواظبة على الاستحمام