الطعام نافخا يولّد منه ريح يسيرة ، ينحل بسرعة بالجشاء.
وان لم يكن مزاج المعدة قوي الحرارة ، ولا قوي البرد حلّ الغذاء أو الخلط الذي يصادفه في المعدة فيجعله رياحا من قبل حرارته ، ولم يقو على تلطيفها وفشها. لأن حرارته ليست بالقوّية ، ولذلك تولّد رياحا غليظة نافخة. فربما استفرغت هذه الرياح من ناحية الفم بالجشاء. وربما استفرغت من ناحية العقدة. ومتى لم يستفرغ لا من فوق ولا من أسفل ، أجريت في البطن نفخا وتولّد هذا النفخ يكون ، اما من خلط نيّء ، أو سوداوي ، والفرق بينهما ان النفخ الحادثة من الخلط الني رطبة رخوة ، والحادثة من السوداء جافة قحلة. وهذه الريح السوداوية تحدث ضررا عظيما في النفس ، وفي البدن.
أما من الحدث في النفس ، فالخوف والفزع الدائم ، وتوقع الموت. والتفكر بالأشياء بخلاف ما للفكر أن تجول فيها. وذلك لما يسمو الى الدماغ من بخار المرة السوداء. اذ كان الدماغ سما لجميع البدن(من)قبل بخاراته. وخاصة فم المعدة لا شيء كالدماغ معه واتصاله به. كما بينّا في صدر الكتاب.
وقد ذكر جالينوس في كتاب « العلل والأعراض » أنه اذا خل () (١) والباطن من أجزاء النفس وغشاه شيء شبيه بالظلمة. ويجب من ذلك ضرورة أن يكون الانسان دائما يفرغ لأنه يكون حاملا معه في بدنه. وأما السبب المفزع ، وذلك ان الشيء الذي يعرض لنا في الوقت بعد الوقت ، من خارج عند ما يعشى الهواء المحيط به الظلمة الدامسة. هو يعينه يعرض لأصحاب الوسواس السوداوي من داخل عند ما يصير الى الدماغ بخار من البخارات السوداوية. مثل ما يعرض في العلة التي يقال لها النافخة ، والمراقية.
فأما ما يحدث هذه الريح السوداوية النافخة في البدن ، فالأضرار بأصول الهضم في المعدة وبواجبها. أعني : منع القوة الهاضمة التي في المعدة عن تكميل الهضم ، وافسادها جوهر الغذاء وتؤذيه كيفيته. فاذا دام افساد
____________________
(١) فراغ في أصل المخطوطة.