وتفكير ، وتسبيح وتقديس ، ونظر دائم إلى نور الملكوت ، مما لا ترى معه شيئا يدور حولها ، هذا معنى الاستغراق مع الله.
ولا شك أن ابنة النبوة قد حازت أرقى وأعلى مراتب الاستغراق ، فالإمام عليهالسلام يصف حالاتها بقوله : (غالب عليها). ومن هنا جاء حب الإمام الحسين عليهالسلام الشديد لها ، وقد أخذت بمجامع قلبه ، وتركته قداستها وطهرها يزداد حنوا عليها ، حتى وصفها عليهالسلام بأنها : (خيرة النساء) ، لما وقف عليها يوم الطف ، ورآها باكية نادبة ، فقال :
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي |
|
منك البكاء إذا الحمام دهاني |
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة |
|
ما دام مني الروح في جثماني |
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي |
|
تأتينه يا خيرة النسوان |
ولاندري كيف تكون منزلة من يصفها الإمام المعصوم من السمو والعظمة ، وهو حجة الله على عباده ، بأنها من خيرة النساء؟!
والسيدة آمنة عليهاالسلام علاوة على ذلك ، عاشت في كنف إمامين كان الجهال والأبعدون والمتسكعون وأهل اللهو ، فضلا عن العلماء وأصحاب النفوذ ، يهتدون بكلمة واحدة منهم ، ويصلحون بموقف بسيط ، أو إشارة عابرة ، والتاريخ شهيد على ذلك. فأخوها الإمام زين العابدين عليهالسلام وسيد الساجدين ، ذلك الذي تعرف البطحاء وطأته ، والبيت يعرفه والحل والحرم ، وحسبك به مربيا وهاديا ومرشدا. وابن أخيها الإمام الباقر عليهالسلام ، باقر علوم آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذلك الذي كانت علماء الدنيا وما زالت تنحني إجلالا له ، وخضوعا بما عنده من علوم الرسالة المحمدية الخالدة ، وبخوعا وتسليما له هيبة وفرقا من قوة الحجة وسطوع البرهان.