والحسين عليهالسلام معصوم ، والمعصوم لا يحب ولا يبغض إلا في الله ، والذي يحبه الإمام الحسين عليهالسلام إنما هو من أحباء الله وأوليائه. فهل سمعت أذن الدنيا أن الله يحب المتخلعين المرحين الفرحين ، وتلك آياته تنهى عن المرح ، كما أنه تعالى لا يحب الفرحين.
ورد في الخبر أن الحسن المثنى بن الحسن السبط عليهالسلام أتى عمه الحسين عليهالسلام يخطب إحدى ابنتيه فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبدالله عليهالسلام : «أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. أما في الدين : فتقوم الليل كله ، وتصوم النهار ، وفي الجمال : تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل» (١).
يالله .. يالله .. ما أعظمها من كلمة بحق هذه السيدة العظيمة المستغرقة في جميع أوقاتها في ذات الله. فالمستغرق في الله ، هو الذي راح يسبح في الفناء ونزعت نفسه إلى الغاية القصوى من القداسة ، وابنة النبوة جديرة في الفناء في الذات الإلهية ، ولم لا وهي سليلة فاطمة وعلي والحسين عليهمالسلام ، وتتصل بانبوة ينبوع السماء بواسطة جدتها الزهراء عليهاالسلام ، بل حسبها أن يقال : ابنة الحسين السبط عليهالسلام. فهي بهذا الوصف الذي وصفها به أبوها ، لم تبق في قوس اللقاء الربوبي منزعا ، حتى بلغت الغاية في الاندفاع نحو القدس الذي لا يتناهي. وبعد هذا ، فمن أين يكون لها لفتة إلى ما حولها من نواميس الحياة؟! ومن أين يتأتي لها ـ بعد ذلك الاستغراق ـ الانعطاف إلى لوازم معاشرة الناس ، وعوارض الدنيا الفانية؟!
لقد شغلتها الآخرة عن الاولى ، فهي بين عبادةوزهادة ، وتذكير
_________________
(١) إسعاف الراغبين لمحمد بن الصبان المصري المطبوع بهامش نور الأبصار : ٢١٠.