وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(١).
ولم تكن أمته قد سمعت ما وعته بالأمس حتى تستعدي عليهم اليوم ، فهذا علي عليهالسلام يهجره المهاجرون ، ويخذله الأنصار ، ويحيلونه إلى مأمور بعد ما كان أميرهم في غدير خم ، تلك الواقعة التي أكحلت عيون قوم وزكمت أنوف آخرين. فما كان من هؤلاء إلا ويسوقون عليا عليهالسلام إلى بيعتهم مكثورا ، يخذله قومه وأهل مودته ، إلا نفر ثبت رغم بريق السيوف وشروع الأسنة ، وليس للحسن بن علي عليهماالسلام شأن للنصرة عند هؤلاء القوم ، الذين آثروا ابن حرب على حربهم مع سبط الرسول فأسلموه عند الوقعة ، وأحبوا العافية عند نصرة الحق ، واختاروا الخضوع على العزة في ظل كتاب الله وعترة نبيهم ، ولم يحيلوا بينه وبين عدوه ، الذي جرعه غصص الفتن قبل أن يجرعه كأس المنون على يد زوجته جعدة بنت الأشعث ، فذهب صابرا محتسبا يشكو مالاقاه لربه ، ويبث ما عناه لجده.
وفي كربلاء موعد القوم مع آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث يناجزون سبطه الحبيب بكل خسيسة حرب ودخيلة صدور ، فينكفئون على آله بسيوف الحقد وسهام الغدر ، يرمونهم من كل ناحية ؛ ليكون لرضيعه سهم المنون كما كان له نصيب من الظمأ ، وانهالوا على أهله قتلا وتنكيلا. فأحرقوا خيامهم ، وأركبوهم أسارى بغير وطاء ولا غطاء.
لم تنته واقعة الطف بعد ، بل كأنها بدأت منذ لحظة تسييرهم سبايا ، فهذا الإمام زين العابدين عليهالسلام يتصدى لخطط هؤلاء القوم ، الذين أذاعوا بين العامة أنهم أسرى خوارج ، فيقول عند دخوله الكوفة : «أيها الناس من عرفني
__________________
(١) المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٦٥.