فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ) أي اتقوا معاصي الله واجتنبوها ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) الذين يصدقون في أخبارهم ولا يكذبون ، ومعناه : كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله ، وصاحبوهم ورافقوهم ، كقولك : أنا مع فلان في هذه المسألة ، أي أقتدي به فيها ، وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة ، بقوله : ( وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) إلى قوله : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ، فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين. وقيل : المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه ، وهو قوله : ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ ) يعني ، حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ( وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) يعني ، علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : ( كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) مع علي وأصحابه.
وروى جابر عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : مع آل محمّد صلىاللهعليهوآله. وقيل : مع النبيين والصديقين في الجنة . ... وقيل : إن معنى ( مَعَ ) هنا معنى ( من ) فكأنه أمر بالكون من جملة الصادقين ، ويعضده قراءة من قرأ : ( مِنَ الصَّادِقِينَ ) والمعنيان متقاربان هنا ؛ لأنّ ( مَعَ ) للمصاحبة ، و ( من ) للتبعيض ، فإذا كان من جملتهم فهو معهم وبعضهم ، وقال ابن مسعود ، لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ، ولا أن يَعِدَ أحدكم صبيه ثمّ لا ينجز له ، اقرؤوا إن شئتم هذه الآية ، هل ترون في الكذب رخصة ؟ (١)
وعن ابن اذينة ، عن بريد بن معاوية العجلي ، قال : سألتُ أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : إيانا عنى. (٢)
_______________________________________
١. انظر مجمع البيان في تفسير الآية ١١٩ من سورة التوبة.
٢. بصائر الدرجات : ٥١ / ١ ، الكافي ١ : ٢٠٨ / ١.