قلت : نختار فيه هذا الوجه الأخير ، ونحيل العمل على الأوّل. ولا نسلم عدم جواز زيادة الاسم خصوصاً في مثل هذه الضرورة ؛ إذ لا محيد عن الإعادة ، وفي الضرورة يُستباح ما لا يُستباح في غيرها.
فنقول : لمّا لم يتأتّ الإتيان بالضمير المتّصل بدون عامله ؛ لوجوب اتّصاله به وتعذّر اتّصاله به هنا كما سمعت روضي بإعادة صورة لفظه ، ليمكن الإتيان به ، كما روضيت الناقة الّتي فقدت فصيلها بالبوّ (١) ؛ ليُتمكّن من أخذ لبنها. وليس للضمير المجرور ضمير منفصل فيؤتى به بدل المتصل ، وليس الغرض من هذا اللفظ المعاد إلّا أمراً لفظيّاً خاصّة ، وقد وفى له به.
والفرق بينه وبين الحرف الزائد أن الحرف الزائد له تعلق بالمعنى في الجملة بخلاف هذا. بل ادّعى السيد المرتضى قدسسره في (الدرر والغرر) أن لا بدّ للحرف الزائد من معنى غير التوكيد.
وقد اضطرب الزمخشري في هذه المسألة ، ففي تفسير (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) وافق البصريّ ، ونسب قراءة حمزة إلى عدم السداد متعلّلاً ببائر التعليلات (٢) ، وفي تفسير قوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٣) وافق الكوفيّ ، فقال : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) في موضع جرّ عطفاً على ما أُضيف إليه الذكر في قوله تعالى (كَذِكْرِكُمْ) (٤).
واحتجّ المانعون بأن الضمير المجرور شديد الاتّصال بجارّه ، فلا يجوز انفصال
__________________
(١) البوّ : جلد الحُوار وهو صغير الناقة يحشى لتعطف عليه الناقة إذا مات حُوارها ؛ كي يدر لبنها. لسان العرب ١ : ٥٤٤ بوّ. والناقة في هذا الحال تسمّى العلوق ، قال أفنون (أبو عمرو بن الأنباري ، وقيل : صريم بن معشر بن ذهل التغلبي) :
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به |
|
رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن |
انظر : مغني اللبيب : ٦٧ ، خزانة الأدب ٤ : ٤٥٥ ٤٦٠.
(٢) الكشاف ١ : ٤٦٢.
(٣) البقرة : ٢٠٠.
(٤) الكشاف ١ : ٢٤٧.