المجرور من جاره ظاهراً كان أو ضميراً ، فهما كالشيء الواحد ذي الأجزاء ، فيشبه العطف على الضمير المجرور العطف على بعض حروف الكلمة ، وبأن الضمير المجرور شبيه بالتنوين ، لمعاقبته له ، وكونه على حرف واحد مثله ، فلا يجوز العطف عليه ، كما لم يجُز العطف على التنوين.
قال صاحب (العباب) : (والجامع عدم استقلال كلّ واحد منهما).
وأقول : لو كان هذا مانعاً ، لمنع من العطف على المجرور مطلقاً ؛ إذ لا فرق في ذلك كلّه بين الضمير والظاهر.
فإن قلت : الفرق بينهما أن الاسم الظاهر ليس فيه سوى شدّة اتّصاله بجارّه ، والضمير فيه ما فيه (١) ، وكونه متّصلاً ، والضمير المتّصل كالجزء من الفعل حتّى إنه يسكّن به آخر الثلاثيّ في نحو (قمت) ، و (ضربت) ، وكونه على حرف واحد.
قلت : لو كانت هذه الأوصاف مانعة من العطف عليه دون الظاهر ، لامتنع العطف عليه مرفوعاً ؛ لتحقّق الأوصاف فيه ، والتأكيد والفصل لا يخرجانه عن اتّصافه بتلك الصفات ، ولامتنع توكيده والإبدال منه ، والمنع ممنوع باتّفاق ، والفرق بينهما وبين العطف بعدم كونهما أجنبيين منفصلين عن متبوعهما لا يجدي نفعاً ؛ إذ هو لا يخرج الضمير عن شدة الاتّصال وشبه التنوين بزعمهم.
وفرق بدر الدين بن مالك بين التوكيد والعطف بـ (أن التوكيد مقصود به تكميل متبوعه ، فينزّل منه منزلة الجزء ، وذلك يقتضي أمرين :
الأوّل : أن شبه الضمير بالتنوين حال توكيده أقلّ من شبهه به حال العطف عليه ، لطلبه حال التوكيد ما لا يطلبه التنوين وهو التكميل بما بعده فلا يلزم أن يؤثّر شبه التنوين في التوكيد ما أثّره في العطف ، لاحتمال ترتّب الحكم على أقوى الشبهين.
الثاني : أن شبه الضمير المجرور ببعض الكلمة وإن منع من العطف لا يمتنع عليه
__________________
(١) أي ما في الاسم الظاهر.