ونحن لو أردنا أن نقيّم دور الرسول في الدعوة کان علينا التعرّف على أخلاق العرب في الجاهليّة أولاً ، ثم بيان کيفية تغيرهم وتحولهم من حال إلى حال ، لأنّ الأشياء تُعرف بأضدادها.
فرسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وبفضل الله ومنّه ـ كان عالماً بكلّ شيء حتّى إنّه كان يعلم بما سيؤول إليه أمر العالم في آخر الزمان ، وأن أخبار ظهور المهديّ ، والدجّال ، والسفياني جاءت عنه صلىاللهعليهوآله.
وإنّ علمه بالأشياء لا يشوبه جهل أو ظنّ لأنّه من عند الله ، بعكس الأُمّة الجاهليّة ، التي كانت لا تعرف شيئاً عن مستلزمات الحياة ، فهي في جهلٍ مطبقٍ حسبما جاء عن الإمام عليّ والزهراء سلام الله عليهما وکذا ما جاء عن غيرهما من الصحابة ، هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى تر الرسول يؤمر بأن يكلّم النّاس على قدر عقولهم ، وعقولهم لا تتحمّل ما أُمر بتبليغه لهم ، لأنّ رسالته هي الرسالة الخاتمة ، وفيها جواب متطلّبات كلّ العصور ولم تختصّ بعصره الشريف فحسب.
فكيف برسول الله صلىاللهعليهوآله أن يبلّغ تلك الأُمور العالية لأُمّةٍ جاهليّةٍ «تأكل الخنافس والجعلان ، والعقارب والحيّات ، ويقتل بعضهم بعضاً ، ويبغي بعضهم على بعض» (٢) ، و «تعبد الأصنام ، وتأكل الميتة ، وتأتي بالفواحش ، وتقطع الأرحام ، وتُسيء الجوار» (٣).
________________
١ ـ الفردوس ١ : ٣٩٨ / ١٦١١ ، تفسير السلمي ١ : ٣٧٧ ، المحاسن ١ : ١٩٥ / ١٧ ، الكافي ١ : ٢٣ / ١٥.
٢ ـ هذا ما قاله المغيرة بن شعبة عند يزدجرد ، البداية والنهاية ٧ : ٤٢ ، تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٩١ ، ولابن العاص أيضا كلام يشير إلى بعض ذلك ، راجع مجمع الزوائد ٨ : ٢٣٧.
٣ ـ هذا هو كلام جعفر بن أبي طالب عليهاالسلام وهو يصف الوضع الجاهليّ لمّـا دخل على النجاشيّ وقد سألهم عن حالهم ، انظر : سيرة ابن هشام ٢ : ١٧٩.