عليهالسلام وهو في مصلاّه ، فجلستُ حتّى قضى صلاته ، فسمعته يناجي ربَّه وهو يقول :
«اللهمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالكرامَةِ ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ ؛ وخَصَّنا بالوَصيَّةِ ؛ وأعْطانا عِلْمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنا ، اغْفِر لي ولإخْواني وَزُوّارِ قَبر أبي عبد الله الحسينِ ، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشْخَصُوا أبْدانَهم رَغبَةً في بِرِّنا ، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا ، وسُرورا أدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ ، وَإجابَةً منهم لأمْرِنا ، وَغَيْظا أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا ، أرادُوا بذِلكَ رِضوانك ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ ، واكْلأْهُم باللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، واخْلُفْ عَلى أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلِّفُوا بأحْسَنِ الخَلَفِ ، واصْحبهم وَاكفِهِمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ ، وَشَرَّ شَياطينِ الإنْسِ وَالجِنِّ ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم ، وَما آثَرُونا بِهِ عَلى أبْنائهم وأهالِيهم وقَراباتِهم.
اللهمَّ إنَّ أعداءَنا عابُوا عَلَيهم بخرُوجهم ، فَلم يَنْهَهُم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا ؛ خلافا مِنْهم عَلى مَنْ خالَفَنا.
فارحم تلك الوجوه الّتي غيرّتها الشمس ، وارحم تلك الخُدود الّتي تتقلَّبُ على حفرة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام.
وَارْحَم تِلْكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا.
وارْحَم تِلْكَ القُلُوبَ الَّتي جَزِعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا.
وارْحَم تِلْكَ الصَّرْخَةَ الَّتي كانَتْ لَنا ، اللهمَّ إنّي أسْتَودِعُكَ تِلْكَ الأبْدانَ وَتِلْكَ الأنْفُسَ حتَّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ الأكبر».
فما زال يدعو عليهالسلام وهو ساجدٌ بهذا الدُّعاء ، فلمّـا انصرف قلت : جُعِلتُ فِداك ، لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ الله عزَّ وجَلَّ لَظننتُ أنَّ النَّارَ لا تَطْعَمُ منه شَيئا أبدا!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجَّ.