فتنبجس عيناه بالدموع ، وهذا كاشف عن مدى قدسية وشرافة هذه التربة التي ضمت جسد الحسين (عليه السلام) وأصحاب الحسين (عليهم السلام).
ومن دلالة هذه الروايات نستحصل ما يلي :
١ / استحباب البكاء والحزن على الحسين (عليه السلام) ، اقتداءً بالنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، ومن يرغب عن سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) فقد سفّه الحق ، ومن سفّه الحق ، فقد تكبّر (وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً) (١).
٢ / تكرار البكاء على الحسين (عليه السلام) وإدامته ، ومواصلة الحزن عليه مدى الأيام والليالي والسنين ، اتباعاً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، إذ لم نجد في الروايات والأحاديث الصحيحة من أدمن الرسول البكاء والحزن عليه وكرّره وكثَّره كما هو الشأن في الحسين (عليه السلام).
فهذا الاستمرار ـ الذي يراه المسلم ـ لدى المؤمنين في إقامة المآتم والبكاء على الحسين (عليه السلام) ، وهذا الحماس المتجدد كل عام ، والحزن العميق الذي لا نهاية له إلى الأبد ـ إن شاء الله ـ ما هو إلا مصداق من مصاديق الاقتداء والسير على خطى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).
فلقد بكى (صلى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) في موارد متعددة ، وأماكن مختلفة ، وأزمنة كثيرة ، كما انكسف باله وخارت نفسه ، وفاضت عيناه بالدموع على ما يحل بأهل بيته (عليهم السلام) في صحراء كربلاء.
__________________
(١) النساء : ١٧٢ ـ ١٧٣.