حتى أفاض الإمام فأفضنا معه حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين ، فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة. ولكنه ذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يحب أن يقضي حاجته (١).
وعن نافع قال : رأيت ابن عمر إذا ذهب إلى قبور الشهداء على ناقته ردها هكذا وهكذا. فقيل له في ذلك ، فقال : إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الطريق على ناقته فقلت : لعل خفّي يقع على خفّه (٢).
قال الحجة العلامة الأميني (قدس سره) : رزية أبكت نبينا طيلة حياته ، وأبكت أُمهات المؤمنين والصحابة الأولين ، ونَغّصت عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فتراه (صلى الله عليه وآله) تارة يأخذ حسيناً ويضمّه إلى صدره ، ويخرجه إلى صحابته كاسف البال وينعاهم بقتله ، وأُخرى يأخذ تربته بيده ويشمها ويقلّبها ويقبّلها ويأتي بها إلى المسجد ـ مجتمع الصحابة ـ وعيناه تفيضان ، ويقيم مأتماً وراء مأتم في بيوت أُمهات المؤمنين ، وذلك قبل وقوع تلك الرزية الفادحة ، فكيف به (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك؟!
فحقيق على كل من استنّ بسنته (صلى الله عليه وآله) صدقاً أن يبكي على ريحانته جيلاً بعد جيل ، وفينةً بعد فينة ، مدى الدهر ، فعلى الأُمة أن تبكي مدى الدهور حتى تغسل دَرَن ذلك الخزي القاتم ، وتزيل دنس تلك المنقصة المخزية بدمعة العين ، وتسلي بها نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) عن المصاب الفادح (٣).
فأين هذا من قول بعضهم : (إنا لا نقبل من أن يكون شهر محرم الحرام شهر
__________________
(١) مسند أحمد ٢ / ١٣١ قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا عبدالملك عن أنس بن سيرين ، ومجمع الزوائد ١ / ١٧٤ قال : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح.
(٢) البيهقي السنن الكبرى ، ٥ / ٢٤٩.
(٣) سيرتُنا وسنّتا / ١٥٦.