السلام) ، وقليل مَن اختلطوا برَجَّالة جيش الكوفة ، فتأمَّلوا في أجساد زكيَّة ، تَرَكَها ابن سعد في السُّفوح ، وعلى البطاح ، تَسفي عليها الرياح ، وتساءلوا عن أخبارها العُرفاء ، فما مَرَّت الأيّام والأعوام ، إلاَّ والمَزارات قائمة عليها ، والخيرات جارية ، والمَدائح تُتلى ، والحَفلات تتوالى ، ووجوه العُظماء على أبوابها ، وتيجان المُلوك على أعتابها ، وامتدَّت جاذبيَّة الحسين (عليه السّلام) وصَحبه ، مِن حَضرة الحائر ، إلى تُخوم الهند والصين ، وأعماق العَجم ، وما وراء التُّرك والدَّيلم ، يُردِّدون ذِكرى فاجعته ، بمَمرِّ الساعات والأيَّام ، ويُقيمون مأتمه في رِثائه ومواكب عزائه ، ويُجدِّون في إحياء قضيَّته في عامَّة الأنام ، ويُمثِّلون واقعته في مَمرِّ الأعوام.
هذا بعض ما فاز به حسين النّهضة ، مِن النَّصر الآجل ، والمُظفَّريَّة في المُستقبل (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
أمَّا الحزب السُّفياني ، فقد خاب فيما خاله ، وخَسرت صَفقته ، وذاق الأمرَّين بعد مَقتل الحسين (عليه السّلام) ، في سبيل تهدئة الخَواطر ، وإخماد النوائر ، حتَّى صار يُعالج الفاسد بالأفسد ، ويَستجير مِن الرمضاء بالنار ، كقيامه باستباحة مدينة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وإخافة أهلها ، وقتاله ابن الزبير في مَكَّة حَرم الله والبلد الأمين ، حتَّى حاصروه ورموه بالمَنجنيق ، وقطعوا سُبُل الحَجِّ على المسلمين ، وهَتكوا مُعظم شعائر الدين.
وبعد أوانٍ نهض المُختار الثقفي ، وزعماء التوَّابين العِراقيِّين ، طالبين ثار الحسين (عليه السّلام). فقتلوا ابن زياد ، وابن سعد وأشياعهما شَرَّ قتلة ، وأهلكوا شِمراً بكلِّ عَذاب ، وأحرقوا حرملة