والجبال ، ومِن بَلدٍ إلى بَلدٍ ، حتَّى تنظر ما يصير إليه الناس ، فتكون أصوبَ رأياً.
فجزَّاه الحسين خيراً ، وقد استبقاه أخوه ؛ لضرورة وجود مَن يعتمد عليه في مركزه عِماداً للبيت ، ومُحافظاً لودايع أهله ، كما استبقى على مِثل ذلك ابن عمِّه عبد الله بن جعفر الطيار.
وكان عبد الله بن جعفر خَتْنَ الحسين على ، أخته وشقيقته زينب الكُبرى ، بنت عليٍّ (عليها السلام) ، ولمَّا عَلِم عبد الله بتوجُّه الحسين (عليه السّلام) من مَكَّة نحو العراق ، ألحقه بولديه عون ومحمّد ، وكتب على أيديهما إليه كتاباً ، يقول فيه :
«أمَّا بعد ، فإنِّي أسألك بالله لَمْا انصرفت حين تنظر في كتابي ؛ فإنِّي مُشفقٌ عليك مِن الوجه الذي توجَّهت إليه ، أنْ يكون فيه هَلاكُك ، واستيصال أهل بيتك ، وإنْ هَلكتَ اليوم طَفئ نور الأرض ؛ فإنِّك عَلَم المُهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تُعجِّل بالمسير ، ؛ فإنِّي في أثر كتابي ، والسّلام».
وسار عبد الله إلى عمرو بن سعيد ، فسأله أنْ يكتب للحسين (عليه السّلام) أماناً ويُمنِّيه ؛ ليَرجع عن وجهه ؛ فكتب إليه عمرو بن سعيد ، ولحِقه يحيى بن سعيد ، وعبد الله بن جعفر ، بعد نُفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب ، وجهدا به في الرجوع ، فقال (ع) : «إنِّي رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في المَنام ، وأمرني بما أنا ماضٍ له».
فقالا : «فما تلك الرؤيا؟».
قال : «ما حَدَّثتُ أحداً به ، ولا أنا مُحدِّثٌ ، حتَّى ألقى ربِّي عزَّ وجلَّ».
فلمَّا يَئس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عوناً ، ومحمّداً