أمام عينيه المَعكورتين بالدم المقهور ، والمغمورتين بهذا الظلام الأُدموس ، كأنَّه عملاق ربط الأرض بفِجاج السُّحب ، بخطوات تنقش الأرض وتوشيهاً بنجوم يرتعش بها نور لا يخبو. يا للمحاريب! هكذا تتلألأ تستضيء بها الأُمَّة حتَّى تُدرك أنَّها ابنة النور ، تتوسَّده على زندي جَدِّه العِملاق الأبدي القضيَّة في أبديَّة الجوهر ، وما عَتَّم النبيُّ المُتجلِّي في دهشة الحُلم ، أنْ تناول الحسين ولفَّه بغُمرة مِن روحه وهو يقول :
طابت تحت قدميك الجَنَّة يا سيِّداً بهيَّاً منها ، مُنذ ساعة وأنا أُراقب فيك توثُّباً قطعت به روحك أشواطاً وأشواطاً مِن عالم الذات ، فإذا أنت ـ على حَقٍّ ـ ابني الذي شَرب مُهجتي ، وتمتَّن بعَزمي وسؤددي ، إنَّ البطولة فيك هي الآن التي ترفعك إلى العالم الآخر ، الذي لا تنبت فيه إلاَّ النفوس الكريمة ، الأبيَّة ، العزومة المنسوجة مِن قهقهات السُّحب ، وهي تحتك بذاتها المُندمجة بالعواصف والزوابع وعُنفوان الأعاصير ، لقد قرأتك وأنت تستدرج نفسك المسجونة خلف جُدران الضيم والقهر الممرَّغين بذِلِّ السُّخف والتردِّي ، وعرفت أنَّك المُتمرِّد الذي سيسحق الحيطان ، وينفضها غُباراً في العيون المعميَّة بسؤدد ضائع عن حقيقتي في رعاية أُمَّتي التي بنيتها مِن غُبار رَمَدها ، لتكون انتصاراً لروعة الشمس في البؤبؤ الصغير ، الذي يرى به الإنسان حقيقة الله في الإنسان. إنِّي أراك الآن ـ كما كنت أراك ـ بَهجتي في حقيقة المآل ، وأراك في خَطِّك المآليِّ تشتقُّ قضيَّةً مِن قضيَّةٍ ما اشتقَّ جَدُّك مِن حِضن الله قضيَّة الإنسان ، وكما اشتقَّ أبوك مِن مُهجتي بتقديس الحَقِّ قضيَّةً زرع الحَقَّ والعدل في مُهجته ، ليكون مثالاً أُنموذجيَّاً في القدوة والتعبير ، ولقد اشتقَّ أخوك الحسن قضيَّة مِن قضيَّتي التي أفرغت فيها كلَّ عزمي ، وشوقي وخزائني وأحلامي ، فإذا هي الأُمَّة العظيمة التي