الرسالة ، لقد تكامل به ، فإذا هو مِن أجل أُمَّةٍ تبدَّت مِن رسالة ، أو رسالة تبدَّت مِن أُمَّة ، وهكذا تلبَّس أبوه خلوداً في الذكر تحيا به أجيال الإنسان ، وتفتقده ـ إذ تفتقر إليه ـ كما لا تزال الأُمَّة تعبيراً صادقاً عن نبيِّها العظيم ، الذي كفكفها برسالة هي لها في مجال الديمومة ، وإذ يشطُّ بها خطأ ، تتململ إليه في طلب النجدة التي تعيدها إلى حقيقة الامتثال ، وهكذا تكون كلُّ قضيَّةٍ مُشتقَّةٍ مِن الحَقِّ الصريح ، معاداً لكلِّ عبقريٍّ صاغها أو صاغ بنداً مِن بنودها المتلألئة بنور العقل وبهجة الإيمان.
مِن هذا الصنف الطليعي أكمل أخوه الحسن مُهمَّته الإماميَّة المُصنَّفة لتعهُّد الرسالة ـ الامة ـ الموازية كلِّ قيمة الإنسان في الوجود. وكان سيَّان لديه ، أقام بمُهمَّته الكبيرة وهو مُترِّبع في كرسيِّ الخلافة ، أم قام بها وهو قابع في زاوية البيت فوق فراش طرحته عليه ـ يُعاني سكرات الموت ـ لدغة أفعى ، دسَّها تحت وسادته واحد مِن أبناء بَني حرب!! إنَّ العظيم في الإمام الحسن هو في كونه صاغ قضيَّة مِن قضيَّة ، كانت تحديداً باهراً لحقيقة الأُمَّة ، تجده الأُمَّة ـ دائماً ـ في وحدتها الواعية المُقدَّسة دَم الإنسان في عروق الإنسان في عمل واحد جامع ، يصون الحَقَّ الذي بشَّر به أبوه عليٌّ ، ويُنزِّهه الحُبَّ ، والسماح ، والصدق ، والإيمان بالرسالة المُجنحة بإسلامها المُتدفِّق روعةً مِن صدر وفم نبيِّها الخالد. لقد كان الصلح الذي أنشأه الحسن ، تلك القضيَّة ، وستُفتِّش عنها الأُمَّة كلَّما خاب بها الطيش إلى صراع يُفكِّكها ، ويلعب بها أو يُلهيها عن تماسكها الصادق المُنتج.
ـ ٣ ـ
ما أنْ وصل الحسين في عرضه هذا المُستدرج مِن تحليل عقلي ـ روحيٍّ مُحتكم إلى قضيَّة فلسفيَّة ـ وجوديَّة ، مُحنّكةٍ بواقع حياتي ـ نفسيٍّ ـ اجتماعيٍّ ، حتَّى سرت في عُروقه نشوة كأنَّها مُستحلبة مِن عالم آخر ، فيه لمع مِن الخيال ، أكثر مِمَّا فيه روابط مِن الواقع ، لقد تمثَّل له في هذه القاعة التي راح يغشاها الليل بعُتماته الزاحفة بعد هبوط الشمس في أُفق المُغيَّب ـ جده ـ المُتواري مُنذ أكثر مِن نصف قَرن ، فإذا هو