الكوفة بانتظارنا ـ أيُّها الهجري المسكين ـ وأيَّة هجرة يا صاحبي لا تكون مثلك ومثلي ، مسكينة! ولكنِّي أراك مَتيناً في رفقة الحَقِّ ، وصلباً في تحمُّل السُّهاد ، فاذهب الآن إلى فراشك ، والبث حاضراً لمُلاقاة الصِعاب.
وانسحب الهجري ، وفي عينيه يسرح إيمان صدوق ، وعزم شفوق ، وبهجة رَؤوم ، وشيءٌ آخر لا يُريد هو أنْ يُفتِّش عن أيِّ تفسير له.
أمَّا محمد بن الحنفيَّة فلقد دخل وأخذه أخوه الحسين بين ذراعيه بكثير من الشوق العفيف ، ثمَّ أجلسه قُبالته وهو يطرح عليه السؤال :
الحسين : ـ قبل أنْ أسألك عن أيِّ جديد عندك ، هل زرت المقامات الثلاثة قبل أنْ تأتي إليَّ ـ يا أخي محمد ـ؟
محمد : ـ طِبْ نفساً ـ يا أبا عبد الله ـ لقد زرت المقام الشريف ، وركعت ساعة طويلة في المسجد في حضرة جَدِّنا العظيم ، وتوَّاً بعد ذلك أمَّيتُ البقيع ، وبعد ساعة مِن الزيارة للمرقدين الحبيبين ، ركبت الطريق ووفدت إليك.
الحسين : ـ ما أطيبك! فعلت؟ يا ابن كلِّ المُطيَّبين ، ويا للصدى الكبير ضِمن حيطان المسجد! ويا للقبرين الناضحين في البقيع بطُهر المثوى!!! والآن ـ يا محمد ـ هات ما عندك.
محمد : ـ لا يزال اللَّغط مُشوِّشاً في كلِّ أرجاء المدينة ، حول عزل الوالي ابن عتبة وإبداله بمروان بن الحَكم ، هنالك أسئلة ثلاثة طرحها الوالي قبل أنْ يُعزل ، وكان هو يعجز عن الإجابة عليها : لماذا وعدني الحسين بمُبايعة يزيد ثمَّ انسلَّ مِن المدينة ولم يفعل؟ ولماذا التجأ إلى مَكَّة وليس إلى سواها؟ وهل يُرتِّب الحسين مع عبد الله بن الزبير تضامناً في طرح مُبايعة للحسين يُعزِّزانها بثورة تخلع يزيد مِن الخلافة؟