إلى جيل ، تزرعها في خزائن روحها ، فتُورق وتُزهر وتُثمر المجد الذي يحيا به مُجتمع الإنسان.
تفوَّه الحسين بمثل هذا المعنى الموشَّى بالدم ، وسكت كما يسكت البُركان بعد قذفه غمراً مِن الحُمَم ، أمَّا الفجر فإنَّه كان يلوح بتباشيره المُنسلَّة مِن الطاقة العُليا ، المزروعة في حائط الغرفة في هذه اللحظة ، وابن الحنفيَّة مُتكفكف بإطراقه كأنَّه تعبٌ محزونٌ ، فتح الباب على مَهلٍ أسعد الهجري ، فرأى الرجلين تحت وطأة مِن وعي ضائع بين يقظة ويقظة ، فأدرك أنَّهما كانا في المِعراج الآخر ، الذي كثيراً ما كان يرقى إليه أمامه الإمام الحسين ، فأغمض عينيه عليهما وأقفل الباب وانسحب.
عندما انتبه الحسين وجد أخاه ينظر إليه ، ونور الشمس قد ملأ الديوان مِن الطاقة العُليا المفتوحة في الجدار ، فقال له :
محمد : ـ عجباً ـ يا أخي الحسين ـ ألم تكن تُحدِّثني في الليل؟
الحسين : ـ ولكنَّنا الآن في يوم آخر ، هل تدري بحضرة مَن كنت؟ قبل أنْ يهلُّ علينا هذا الصباح؟
محمد : ـ كنت تُحدِّثني بمُبايعات القوم ، وها أنِّي الآن أُحدِّثك أنْ تُشفق على نفسك وعلينا ، فلا ترحل لا تحمل عيالك ونساءك ، ولا تَرمهم إلى التهلُكة ، وأنْ تُرِدْ أنْ ترحل فإلى اليمن ارحَل.
الحسين : ـ ولكنِّي إلى الكوفة سأرحل!!! إلى الأرض التي امتصَّت دماء أبي عليٍّ سأرحل!!! أتاني مُنذ لحظة رسول الله وقال لي : يا حسين ، اخرُج ؛ فإنَّ الله قد شاء أنْ يراك قتيلاً ، وأنَّ الله قد شاء أنْ يرى نسائي سبايا.
بعد ساعة مِن الوقت كان الركب المُؤلَّف مِن الحسين ، وأولاد الحسين وبَنيهم ، وكلُّ الأقرباء يملأون القافلة التي أعدَّها أسعد الهجري ، الذي مشى أمامهم نحو خُطوط القوافل مِن مَكَّة إلى أرض العراق.