يلفظه الذِّلُّ هو الواصل ـ بلا رحمة ـ إلى رغوة الغثيان ؛ لأنَّه وحده هو بَلادة في الفهم والروح ، وغثيان لا يُنتج إلاَّ رغوة السَّمِّ!!!
توصَّل الحسين إلى هذا الفاصل مِن حديثه ، وسكت كأنَّ إعياء هبط على عينيه ، فأغمضهما على عزم في روحه بقيت تنشط به كلُّ سمات كانت تَخفق بين طيات جبينه ، وتنساق قرمزيَّة فوق وجنتيه ، وعلى خطوط شفتيه ، ولكنَّه بعد دقيقتين على الأكثر فتح عينيه على أخيه محمد كأنَّه يستفهم ، فاحتواه أخوه بذِراعيه وهو يقول :
محمد : ـ إنِّي مأخوذ بما تقول ـ أيُّها الإمام ـ بدأت أُحسُّك ثورة في دمي ، ولكنَّها ثورة تفعل بك ، لقد بسطت شطراً مِن حديثك هذا ، فهل أنت تعبت عن الشطر الآخر؟
الحسين : ـ حتَّى التعب ـ يا أخي محمد ـ فهو غير مسموح له أنْ يكسرني ، ما أطيبك! دائماً تُصغي ، قلت : إنَّ الأُمَّة تأخذ حاجتها بعد عمليَّة التنبيه ، وها أنِّي أقوم بالمُهمَّة ، سأبدأ بيزيد فأُعلِّمه أنَّ خلافة جَدِّي ليست له أصلاً ، ولا لأيِّ آخر يخسر الفهم والتصميم!!! وأنِّي إنْ لم استردَّها بضربة السيف ، فبمُكنتي أنْ أُحرِّرها بخفقة الرفض ، وسيحصل ذلك تحت عينيِّ الأُمَّة ؛ تعليماً لها أنَّ العُنفوان الصحيح هو في النفوس الأبيَّة ، وأنَّه وحده المُتلقَّط بروعة التصميم ، وعندئذ تُفتِّش عنِّي الأُمَّة فتجدني في دائرة التصميم ، أنا لا أُبشِّر الأُمَّة بالذِّلِّ والاستكانة ، أمَّا القدوة الحيَّة فستكون البادرة الأُولى أقوم بها وأنا في روعة الرفض ، فإذا كان للرفض ـ بعد ـ أنْ يُعلِّم يزيد قراءة الحَقِّ ، فإنَّه المُتنحِّي أمامي عن ولاية ليست له ، أمَّا أنْ لا يرضى إلاَّ بعُنقي ثمناً لمجده الأسود ، فعندئذ تعرف الأُمَّة أنَّ مِن دمي الفدية التي هي الثروة المُكتنزة ، وهي التي ستبقى لها مِن جيل