مرسوخا في نفسيَّة الفتى عليٍّ ، عندما لمحَ ـ لأوَّل مَرَّة ـ جبيناً تتخبَّأ ، دونه نجابة ومتانة في الخُلق والروح ، هي كلُّ ما في الانسان ، مِن روائع. لقد لمح كلُّ ما يجول في عينيه مِن آفاق تُطلُّ به على مَرح وسموٍّ في النفس ، هي وحدها الصفات الكبيرة التي تجذبه إليه في عمليَّة الالتصاق والانضمام ؛ لتكون له ـ به ـ وحدة في الطوية تُهيِّئه للبلوغ المُشتاق إلى التحقيق الرائع ، الذي يتجلَّى به جوهر الانسان في حِضن الحياة ، التي هي فيض رَبِّه العظيم الرحيم.
هكذا هي قِصَّة علي بن أبي طالب ، في التحامه الرائع بالرجل الآخر ، الذي يستعدُّ للأطلالة الكبيرة ، التي تستضيء بها رسالة الإسلام ـ وهكذا هي قِصَّة فاطمة الزهراء بالذات ـ لقد كانت لمحاً اكتشافيَّاً مِن جبينها ، وعينيها ، وتكوينها الأُنثوي ، وكانت تخصيصا رائعاً آخر يلتصق بالرجل البعيد المجال ، ومِن ذُرِّيَّة هذين النورين الوافدين مِن اللمح ، سيولَد لمَحٌ جديد آخر ، معقود في جبينٍ سيُسمَّى الحسن وفي جبينٍ آخر سيُسمَّى الحسين.
ـ ٢ ـ
لقد تجمَّدت الزعامات التقليديَّة في الجزيرة ، على أمل أنْ تنام دون أنْ يعود فيلمُّها وعيٌ ، مع انتقال النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى ، هبَّت تُعلن أنَّها لم تُصدِّق تحسب الرسول بإسناد مُهمَّة الاهتمام بصيانة الرسالة الطريَّة العُود ، إلى أمتن رجل صدَّقها وشارك في تمتينها حُفراً في النفوس. فليكُن اجتماع السقيفة ـ تملمُلاً مِن هَجعة ـ أبَعَدَ الرجل المَحسوب رُكناً مِن الأركان المُعتمدة لمُتابعة الخَطِّ وترسيخه ، إلاَّ أنَّ واقع التاريخ وواقع الرسالة ، التي لا تزال حتَّى الآن تنمو وينمو بها عالم الإسلام ، يشهد بأنَّ لعليٍّ مكانة مجيدة القيمة في ضلوع الرسالة ، لا يجهلها الحَقُّ ، ولا يقدر أنْ يُنكرها المنطق ـ وما مِن أحدٍ على الإطلاق تمكَّن مِن فصل بيت عليٍّ عن بيت الرسول ، لا في الحقيقة ولا في المجاز.
أعود فأقول : فلتكن للسقيفة عينها الحولاء ، غير أنَّ حَوَلاً هناك لا يُطفيء نوراً في عينَي عليٍّ ، ولا شعوراً ضمنيَّاً يعيش به أهل البيت. إنَّ الذين جمعهم مُربِّيهم