اثنان ـ قلتُ : ـ وهل هما غير النبي العظيم مُلتحما بفتاه الآخر ، أو فلنقُل : مُلتحما بثقله الموزون في وحدة المنطق ، ووحدة الصدق ، ووحدة الجوهر؟ أقول ـ ذلك ولم ألمح حتَّى اليوم ، مِن الأمسِّ الدابر إلى اليوم الحاضر ، امتعاضة واحدة رشق بها التاريخ طويَّة الإمام عليٍّ ـ : بأنَّ هنالك ريشة ضئيلة تُخفِّف مِن ثِقله في ميزان الحَقِّ ، والعدل ، والفهم المُقدَّس ، والتحلِّي بطهارة الصادقين.
في هذا البيت الصغير الصغير ، وهو ـ بالقصد والمعنى ـ الكبير الكبير ، تمَّت جَولة الحُلم ، وانعقدت جَلوتها في اللحظة التي بدأ يدرج فيها طفلان ، ما قَصَّ شعريهما جَدُّهما ، وتصدَّق بوزنه فِضَّة تُصرَف على إطعام المساكين ، إلاَّ ليكون لاسمَيهما تسجيل جديد في صفحة تاريخ الأُمَّة ، لقد شَعر مُجتمع الجزيرة بأنَّ الحسن والحسين هما اسمان جديدان ، لم تتلقَّط أُذن بعد بنداء وجهه أحد مِن شيوخ القبائل إلى أيِّ فردٍ مِن أفراد القبيلة ، صحيح أنَّهما لفظتان عربيَّتان ، مشهورتان في اللفظ والتخاطُب ، ولكنَّهما ما كانا مُطلقاً اسمين لأيِّ شخصٍ مشى على صفحات هذه الرمال.
لقد شعرت الجزيرة بهذا الجديد ، والتاريخ أيضاً قد شعر ، أمَّا الجديد الكبير النائم في عين هذا الجديد الصغير ، فإنَّه بقي كأنَّه النُّعاس الذي يقطب العين فلا ترى ، وأنا أرى الآن أنَّ السقيفة في ذلك العهد ، قد تخبَّأت بهذا النُّعاس ، وأنكرت جديداً ينام في الاسمين المُشتقَّين مِن روعة الحُلم ، واللذين يدرجان في البيتين المُوحِّدين بالفهم والصفة. أمَّا الخمسة الذين جذبهم القصد واجتذبهم إلى صدره التحسُّب الأكبر ، فإنَّهم هم الذين لبثوا يهتمُّون بتأليف النهار الجديد الذي ستكون له شمسه الأُخرى.
ـ ٣ ـ
مُنذ أنْ هبط الحسين مِن رحم أُمِّه إلى حضنها الوثير ، تلقَّفته الأحضان مِن حِضن إلى حِضن ، وبقي ينمو ولا يدري أيَّ حِضن هو الأرفه والأوثر ـ لقد أمَّ الحياة صغيراً ضئيلا ـ لم تكن ولادته وهو في شهره السادس إلاَّ نحيلة كنُحول أمِّه في