ومِن الجهة المُقابلة ، أتكون الإمامة رُكناً يقوم على الأساس؟ ولكنَّ القصد الحكيم كأنَّه جعله سرباً ينضح منه ليعود ويسقيه فلا يعطش ، أمَّا المعنى فإنَّه أبداً واحد ، فالقضيَّة التي هي في عُمق الشمول ، والتي كلَّفت جُهداً يوازي عمر الجزيرة في التفتيش عن واحتها الكُبرى ، تتطلَّب صيانة أساسيَّة ومُركَّزة على مثل النظافة والجدارة اللتين يتجوهر بهما مَعدن عليٍّ ، كما وأنَّ القبلية الهزيلة العقل والهزيلة الإنسان ، أصحبت الآن ترفض إعادة لملمَّة حروف اسمها أمام جلال القضيَّة ، التي انبسطت بها أرجاء الجزيرة في وحدة مُجتمعها ، ستكون الإمامة الكرسيَّ الجديد والأنظف ، تجلس فيه ركيزة الإدارة ، دونما احتياج إلى أيَّة استشارة أو إثارة. إنَّ النظافة المرميَّة في الأساس ، وفي المدماك الأوَّل ، هي التي تُستشار الآن ، والتي ستُستشار في الغد ، ولكنَّ الأُمَّة التي سيَصلب عودها فوق هذا الأساس ، سيكون لها في مثل هذا الصدق والطُّهر ، ذيَّاك المُرَّان ، وستبقى القضيَّة الكبيرة التي جمعها هي مُستشارها الأفخم ، يُنجيها ـ ما دامت في وضوح الصراط ـ مِن العِثار.
في مثل هذا الجوِّ المُفعم بالمسؤوليَّة البالغة العُمق ، والقصد ، والجوهر ، كان يعيش البيت وأهلوه. لم يكن الحسين الذي يقفز الآن على الطريق المُمتدِّ بين باحة البيت وساحة المسجد ، ليفقه كثيراً ثقل القضيَّة ، ولكنَّه كان يشعر أنَّ شيئاً عظيماً يُدغدغه وهو يُفرِّق الناس الجالسين القُرفصاء ، وهم يُصغون إلى كلِّ كلمة كانت تخرج مِن بين شَفتي جَدِّه الجالس فوق المنبر. لقد توصَّل الفتى ـ بعد عَناء ـ إلى جَدِّه المُنبري بجلاله. لقد مدَّ يديه وتعلَّق بطوق الجُبَّة ، وصعد الهويناً ، وكفُّ جَدِّه يُسنده مِن الوراء ، وإذا به ـ رويداً رويداً ـ ويمتن ربوضه فوق المَنكبين المُستسلمين لإرادة الفارس. لقد تبسَّم الجَدُّ الذي هو الآن رحل الحسين ، وهو يقول : هذا سيِّدٌ ثانٍ مِن أسياد أهل الجَنَّة ، فطوبى لأُمَّة فيها مِثل عليٍّ يُنجب!!!
ـ ٢ ـ
وهذه حروف أُخرى ما رصفت ذاتها بذاتها ، ما كانت الحروف لأنْ ترقص على أذنابها فتتلحَّن بها الكلمة معطوفة على رَنَّة الوتر ، إنَّما المعاني هي التي يشغفها