الدودة إلى مربعها الأوَّل ، وإذا الوصيَّة بعليٍّ هل الأُولى التي تتناولها بالقضم!!! فيا للأُمْنِية تًكرِّر في ضراعتها : لو أنَّ حَجَّة الوداع ما حصلت إلاَّ بعد ثلاثين مِن سنوات الهجرة ، أو بعد أربعين إذا يصحُّ التمنِّي! لرُبَّما كان طول المِران ما بين يدي صاحب الرسالة ، يقضي على دودة كان تئنُّ منها مُجتمع الجزيرة ، كما تئنُّ ـ أبداً ـ كلُّ واحة خضراء مِن أسراب الجُراد.
ـ ٣ ـ
هنالك سبب وجيه وأساس خَلْفَ تصرُّف عمر بن الخطاب ، يُلبِّيه مِن الوراء أبو بكر الصدِّيق بالرضوخ والمُطاوعة ، إنَّه يَكمن في فقر الساحة وافتقارها إلى الصفات التي يتحلَّى بها الإمام عليٍّ ، إنَّ الصدق الذي رفع الرجل إلى سويَّة الرسالة وجعله وحياً منها ، لم تكن قد حصلت له موجات مِن انعكاسٍ فاعلٍ ، رشقت الغير وقرَّبته مِن القُطب المُمغنط ، مِن هنا يكون تأثير الثقافات الفكريَّة ، الروحيَّة ، الحضاريَّة ، تتناول مُجتمعاً بأسره ، وتدمغه بالفهم ، والحِسِّ والنَّباهة ؛ ومِن هنا يكون المِراس والمِران عاملين قويَّين في عمليَّة تنشيط المواهب ونقلها ـ مِن البَلادة والخُمول ـ إلى التفاعل الحيِّ ؛ ومِن هنا يكون لعليٍّ وصول أوسع ، تغتني به أوصال المُجتمع.
لقد كان عليٌّ ساعة حمل الغَمامَ النبي إلى المصدر الأوسع ، طويَّة ينعكس هو فيها بحقيقته المتيقظة ؛ لهذا كانت سرعة ابن الخطَّاب في هندسة أمير يتسلَّم الأمارة ، قبل أنْ ينشط لها وعيٌ جديد يلمح عليَّاً ويستدعيه إلى مركز الرعاية.
مُنذ تلك الساعة إلى اليوم ، ولا رسالة تفعل فعلها المنقوص ، في مُجتمع يتقدَّم خُطوة إلى التحقيق ، وتتراجع به الرُّدَّة خطوتين إلى الوراء ، إنَّه لا يزال مُجتمعاً يهجع به الانتظار.