يقوم به الخصم الطالبي لتثبيت وجوده ، وتجريده منه ، وتحويله مَكسباً ضِدَّه ، مِن حيث يُصبح وَبالاً عليه.
لقد صُدِم الحسن بمثل هذا الثقل ، ولقد عانى منه أغرقه في كآبة لا يُمكن أنْ يتحمَّلها إلاَّ الأبطال الصامدون ، ولقد استوعبه وتحمَّله ثقلاً ، ولكنَّه تصرَّف به تصرُّف الأفذاذ ، وراح يتلاعب به تلاعب المُقتدرين ، حتَّى يُحوِّله مِن مؤدَّى إلى مؤدَّى ، أو بالأحرى مِن سَلبٍ أسود إلى إيجابٍ أبيض!!!
مِن أبلغ ما فهمه الحسن ، ومِن آلم ما رضخ له ، أنَّ الساحة الآن هي التي يمتلكها مُعاوية ويضبط حدودها وكلُّ مُقدراتها ، لقد تحكَّم بها بقوَّة ما استلب منها ، لقد ولِّي الشام وهي الجناح الغربي مِن أرض الأُمَّة ، حتَّى تزدهر به مِن أجل تعزيز كلِّ قيمة مِن قيم الأُمَّة ، في ضبطها وتوحيدها ورَصِّها في المَبنى والمعنى ، وكانت النتيجة استئثاراً بما درَّت عليه الأرض المُخصبة والمُرتاحة ، لقد أصبحت الأرض في الشام بكلِّ ما تُعطي وتدرُّ ، قصوراً خضراء لمُعاوية ومُعاونيه ، وأصبحت أموالاً وثراء فاحشاً في صناديقه ومخزناته ، وسيوفاً ، ورماحاً ، ودروعاً ، وخيولاً مُطهَّمة لرجاله وجيوشه وبطاناته ، لقد كانت الشام نائمة على خيراتها بين يديه ، وكانت جيوشه مُرتاحة تنعم بالعطف منه ، وبالسلم الذي يوفِّر الراحة ورغد العَيش ، بينما كانت الأُمَّة هنالك تُعاني مِن زرع الشِّقاق فيها ويلات ووليلات ، لقد حمى الخُلفاء الثلاثة الأُولون مُعاوية في الشام ، وأبعدوه عن كلِّ هدر يُلهيه عن استكمال بناء قوَّته وإنجادها بالعُدَّة والعدد ، وراحوا يحجزون الخَصم في غُرف النوم ، حتَّى إذا ما ظهر هنا أيُّ تململ ، كان لهم استنجاد بالشام القويَّة ليقمعوه!!
وتململ الرافضون ، وحذفوا عثمان مِن الوجود ، فحُمِلت قميص عثمان إلى الشام حتَّى يقوم مُعاوية بالثأر مِن عليٍّ ، وتملمت البصرة بوجه عليٍّ حتَّى تفسد عليه حقوق الإمامة ، فكان مُعاوية البعيد المُرتاح ، يجمع نفسه لمُناهضة عليٍّ إذ تبرز به الساحة ، ونبتت مِن قاع الجَحيم اعتراضات الخوارج ، وبثَّت سَمَّها في معركة النهروان ، فارتاح مُعاوية مَليَّاً في الشام ، بينما أُنِهك عليٌّ في البصرة والكوفة