وانتقلت المُعاناة إلى الحسن ، فإذا به يهتمُّ هنا بجمع قوى منهوكة ، خسرت عشرات الأُلوف مِن الرجال في معاركها المجنونة ، وخسرت المال ، والرزق والجَني ، والعُمران والاطمئنان ، بينما مُعاوية هناك تبتسم له الراحة ورغد العيش ، ويستقيم التخطيط بين يديه أكثر فأكثر ، في استعمال التعب والوَهن ، وترجيحهما إليه مكاسب بسط منها الرشوة ، تارةً بالشَّهد والوعد ، وطوراً بالوعيد والتهديد.
مَن كان يحسب أنَّ عبيد الله بن العباس قائد الجيش بالذات عند الإمام الحسن ، يشتريه مُعاوية بخمسين ألفاً ، فينتقل هو وفِرَق عديدة مِن الجيش ، إلى الجبهات التي يعدُّها مُعاوية لدَحر الذي يعتزُّ بتُراثه مِن أبيه الإمام ، وجَدِّه الرسول!!! وتُراثه الفخم مِن أبيه وجَدِّه هو إمامة ، ورسالة ، وقضيَّة ، ووحدة أُمَّة!!!
لقد فهمنا مليَّاً حتَّى الآن أنَّ مُعاوية كان أقوى مَن يمتلك الساحة ، وأدهى مَن يعرف كيف يتحكَّم بالدروب وبأيَّة خُطوات يمشيها ، أمَّا الحسن الذي وصل أيضاً إلى استيعاب هذا الواقع المؤلم ، فإنَّه ما جوبه به حتَّى تصرَّف ، ولقد ألبس تصرُّفه حِكمة لا نزال نلمسها اليوم ، بأنَّها هي التي يفتقر إلى جوهرها المُجتمع ، الذي هو إطار الأُمَّة في وحدتها الشريفة والصحيحة في الوجود.
لم يَخُضْ الإمام الحسن الحرب ضِدَّ مُعاوية ، لقد عقد صُلحاً معه ، وسلَّمه مقاليد الأُمَّة ، شرط أنْ يعدل فيها ، ويتحسَّسها أُمَّة حضرها جَدَّه لأنْ يكون لها يوم كبير طالع بالحَقِّ والصدق والجمال ، وإذا كان له أنْ يعتزل اليوم الحُكم ، فحتَّى يعود إليه هذا الحُكم في الغَد الذي يخلو هو فيه ـ مُعاوية ـ لمُقابلة جَدِّه النبي في تقديم الحساب ، ولقد أكَّد له أنَّ الأُمَّة وحدها هي التي فرضت عليه القَبول ، مِن أجلها لا مِن أجل مُعاوية ، مِن أجل حَقْن دَمها ، وتوفير قواها حتَّى تستمرَّ في الوجود ، والبقاء ، وتحقيق الذات.
هل كان الإمام الحسن مُصدِّقاً مُعاوية في تنفيذ المواثيق الواردة في اتفاقيَّة الصِّلح؟ ولكنَّ المُبادرة هذه كانت منه بمثابة مبادئ مُثبتة لهذه المواثيق ، على الأُمَّة