السبط الوحيد الذي تشخص إليه أبْصار البقيّة الباقية من المسلمين ، والقلائل الّذين بقوا من أولاد الشهداء والصحابة الصلحاء الّذين ضاقوا ذرعاً من تصرّفات معاوية وولاته الجائرين ، فإنّ الأُمراء يتهيّبون الوضع بلا ريب.
وخاصة مثل مروان بن الحكم ـ ابن طريد رسول الله ولعينه ـ الذي لم يجد فرصة للإمارة على مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلاّ حكم معاوية ، وإلاّ فأين هو من مثل هذا المقام الذي لم يحلُم به؟!
فهاهو يجد في تحرّك الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّ أجراس الخطر تدقّ تحت آذانه ، وهو العدوّ اللدود للحسين وأهل بيته (عليهم السّلام) منذ القديم ، يوم وقف في حرب الجَمَل يُشعل فتيل الحرب ضدّ الإمام عليّ (عليه السّلام) ، لكنّه فشل واندحر وأُسِرَ وذَلَّ ، ومَنّ عليه الإمامُ (عليه السّلام) فيمن مَنّ عليهم من أهل تلك الحرب.
وهو ـ وإن استفاد من حكم معاوية ـ إلاّ أنّه لا يكنّ لمعاوية ولا لآل أُميّة ودّاً بعد أن أصبح ذيلاً لهم ، ويراهم منتصرين في صفّين ، بينما هو اندحر أمام عليّ (عليه السّلام) وانكسر في وقعة الجمل.
والآن يريد أن يضرب بسهم واحد هدفين ، فكتب إلى معاوية :
[٢٥٤ ص١٩٧] : إنّي لستُ آمنُ أن يكونَ حُسينٌ مُرصِداً للفتنة ، وأظنُّ يومكم من حسين طويلاً (١).
ولكنّ معاوية أذكى من مروان ، فهو يعلم أنّ تحرّشه بالحسين (عليه السّلام) لا يصلح لتحقيق مآربه ، فكتب إلى الحسين في بعض ما بلغه عنه :
[ص١٩٨] : إنّي لأظنّ أنّ في رأسك نزوةً ، فوددتُ أنّي
____________________
(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٧.