واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، وليس الله بناسٍ لك أخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءَهُ على الشبهة والتهمة [ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة] (١).
وأخذك الناس بالبيعة لابنك : غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب.
ولا أعلمك إلاّ قد خسرت نفسك ، وأوبقتَ دينك ، وأكلتَ أمانتك ، وغششتَ رعيّتك [وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفتَ التقيّ الورع الحليم] (٢) وتبوّأت مقعدك من النار ، فبعداً للقوم الظالمين!
والسلام على من اتّبعَ الهُدى» (٣).
إنّ موقف الإمام الحسين (عليه السّلام) هذا الذي أبداه في جواب معاوية أربك معاوية بحيث فوجئ به وهو في أواخر أيّامه ، وقد استنفد كلّ الجهود واستعدّ ليجني ثمارها ، فإذا به يواجه «أسداً» من بني هاشم يثور في وجهه ، ويحاسبه على جرائمه التي تكفي واحدةٌ منها لإدانته أمام الرأي العام ، فكان يقول : إن أثرنا بأبي عبد الله إلاّ أسداً.
إنّ الحسين (عليه السّلام) باتّخاذه هذا الموقف من معاوية وضع أمام إنجازاته حجرةً عرقلت سيرها ، وأوقفت إنتاجها السريع ، ممّا جعل معاوية يفكّر ويُخطّط من جديد ، ولكن كبر السنّ لم يُساعده ، والأجل لم يمهله وإن كان قد فتح للحسين صفحة في وصاياه لابنه من بعده.
____________________
(١) من الاحتجاج ، ولم يذكره البلاذري.
(٢) ما بين المعقوفتين عن الاحتجاج.
(٣) هذا السلام لم يرد في النص الكامل الذي نقله البلاذري ، وإنّما ذكره في ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، قال : وكان في آخر الكتاب «والسلام ...».