إنّ أبا بكر ـ حسب النصّ عن الحسين (عليه السّلام) ـ ليس هو متّهماً ، ولا يتوقع منه الغش كما يُتّهم غيره من «الناصحين» ، ثم يبدو أنّه إنسان بعيد النظر ، حيث تنبّأ بأُمور أصبحت حقيقةً ، فيبدو أنّه كان مخلصاً في نصحه ، ولذلك كان جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) له أن قال :
[ص٢٠٢] «جزاك الله يابن عمّ خيراً ، فقد أجتهدت رأيك ، ومهما يقضِ الله من أمر يكنْ».
وكتب إليه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كتاباً يحذّره أهل الكوفة ، ويُناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسين (عليه السّلام)
[ص٢٠٢] : «إنّي رأيتُ رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له ، ولستُ بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي» (١).
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص [ص٢٠٢ ـ ٢٠٣] : إنّي أسأل الله أن يُلهمك رُشدك ، وأن يصرفك عمّا يُرديك ، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوصَ إلى العراق ، فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ كنتَ خائفاً فأقبلْ إليّ فلك عندي الأمانُ والبرّ والصلة.
وعمرو هذا من الأُمراء الأقوياء في فلك الحكام ، وذو عدّة وعَدَد ، ويبدو من كتابه أنّه على ثقة من نفسه ، وأنّه إنّما كتب الكتاب مستقلاً ، وأمّا نيّته فلا يبعد أن يكون قد فكّر في التخلّص من الحسين (عليه السّلام) وحركته بنحو سلمي ، لأنّه كان ممّن يرشَّح نفسه للحكم ، أو هو محسوب على الحكم ولا يحبّ أن يتورّط في مواجهة مع الحسين (عليه السّلام) ، ومع هذا فهو جاهل بكلّ الموازين والمصطلحات الإسلاميّة ، فهو يحذّر الإمام من «الشقاق» ثمّ هو يُحاول أن يُطمع الحسين (عليه السّلام) في الأمان والبرّ والصلة.
____________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤١.