فينهاها.
لكنّه هو الآخر لا يقلّ حزنهُ على مفارقة ابنته الوحيدة وسائر أهل بيته الذي أعلمه الغيبُ بما سيجري عليهم من بعد ، فلم يملك إلاّ استعبار الدموع.
على ماذا يبكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!
إنّ كلامه الذي قاله يكشف عن سبب هذا البكاء في مثل هذه الحالة ، والميّت إنّما يوصي بأعزّ ما عنده ، وفي أواخر لحظات حياته إنّما يفكّر في أهمّ ما يهتمّ به فيوصي به ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) يُشهد الله على ما يقولُ ، فيقول : «... اللّهمّ أهل بيتي ...».
ويجعلهم «وديعةً» يستودعُها «كلَّ مؤمن» برسالته ، وحفظ الوديعة من واجبات المؤمنين (الَّذِينَ هُمْ لاِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ويؤكّد على ذلك فيقوله ثلاث مرّات.
ولا يُظنّ ـ بعد هذا المشهد وهذا التصريح ـ أنّ هناك طريقةً أوغلَ في التأكيد على حفظ هذه الوديعة ممّا عمله الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ولكن لنقرأ «السيرة الحسينيّة» لِنجدَ ما فعلته الأُمّة بوديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) هذه!
وفي خصوص الحسين (عليه السّلام) جاء حديث «الوديعة» في رواية زيد بن أرقم قال :
[٣٢٢] : أما ـ والله ـ لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «اللّهمّ إنّي استودعكه وصالح المؤمنين».
وقد ذكر ابن أرقم هذا الحديث في مشهد آخر ، حيث كان منادماً لابن زياد ، فجيء برأس الحسين ، فأخذ ينكث فيه بقضيبه ، فتذكّر ابن أرقم هذا الحديث ، كما تذكّر أنّه واجب عليه أن يقوله في ذلك المشهد الرهيب الآخر ، وراح يتساءل :