الحُرَّ وأصحابه في (شراف) (١) ، وهو عالمٌ بحراجة الموقف ، ونفاذ الماء بسقي كتيبة فيها ألفُ رجل مع خيولهم ، ووخامة المستقبل ، وإنّ الماء غداً دونه تسيل النّفوس وتشق المرائر ، لكن العنصر النّبوي والآصرة العلويّة لم يتركا صاحبهما إلاّ أنْ يحوز الفضل.
وإنّي أحسب أنّ ما ناء به أبو الفضل عليهالسلام في أمر السّقاية لا يوازنه شيءٌ من ذلك ، يوم ناطح جبالاً من الحديد ببأسه الشديد حتّى اخترق الصفوف ، وزعزع هاتيك الاُلوف ، وليس له هَمّ في ذلك المأزق الحرج ، إلاّ إغاثة شخصيّة الرّسالة المُنتشرة في تلك الأمثال القُدسيّة من الذُّرِّيَّة الطيّبة ، ولم تقثعه هذه الفضيلة حتّى أبت نفسيَّته الكريمة أنْ يلتذّ بشيءٍ من الماء قبل أنْ يلتذّ به أخوه الإمام عليهالسلام وصبيته الأزكياء.
هنالك حداه إيمانه المشفوع باليقين ، وحنانه المرتبط بالكرم إلى أنْ ينكفىء إلى المُخيّم ، ولا يحمل إلاّ مزادة من ماء يدافع عنها بصارمه الذَّكر ، ويزنيهِ المُثقّفِ ، ولواءُ الحمد يرفّ على رأسه ، غير أنّ ما يحمله هو أنفس عنده من نفسه الكريمة ، بلحاظ ما يُريده من المحافظة على تلك المزادة الملأى.
وراقه أنْ تكون هي الذخيرة الثمينة ، مشفوعة بما هو أعظم عند اللّه تعالى ، فسمح بيمينه وشماله ـ وكلتاهما يمنٌ ـ أنْ تُقطعا بعين اللّه في كلاءة ما يتهالك دونه ؛ لينال الاُمنية قبل المنيّة ، وما خارت عزيمة العبّاس عليهالسلام إلاّ حين أحبّ أنْ لو كانت المراقة نفسه لا
__________________
(١) موضع ، وقيل : ماءٌ لبني أسد. راجع لسان العرب ٩ / ١٧٤ ، ويذكر المؤرّخون ـ كالطبري ٤ / ٣٠٢ ، وابن الأثير في الكامل ٤ / ٤٦ وغيرهما ـ إنّه التقى مع جيش الحُرِّ بعد الخروج من (شراف).