قد اغترّ بعلمه ، وبلغ من غلوائه في ذلك أنّه كان في مُنتدى من أصحابه وجرى ذكر أبي الفضل عليهالسلام ، وما حمله من المعارف الإلهيّة التي امتاز بها على سائر الشُّهداء ، فصارح الرجل بأفضليته على العبّاس ، واستغربَ مَن حضر هذه الجرأة ، وانكروا عليه ، ولاموه على هذه البادرة ، فطفق الرجل يُبرهن على تهيئته بتعداد مآثره وعلومه ، وما ينوء به من تهجّد وتنفّل وزهادة ، وقال : إنْ كان أبو الفضل العبّاس يفضل بأمثال هذه فعنده مثلها ، والشهادة يوم الطَّفِّ لا تُقابل ما تحمله من العلوم الدينيّة واُصولها ونواميسها.
فقام الجماعة من المجلس ، والرجل على ذلك الغرور والغلواء ، غير نادمٍ ولا مُتهيّب.
ولمّا أصبحوا لم يكُنْ لهم هَمٌّ إلاّ معرفة خبر الرجل ، وأنّه هل بقي على غيّه أو أنّ الهداية الإلهيّة شملته؟ فقصدوا داره وطرقوا الباب ، فقيل لهم : إنّ الرجل في حرم العبّاس عليهالسلام ، فتوجّهوا إليه ليستبروا خبره ، فإذا الرجل قد ربط نفسه في الضريح الأقدس بحبلٍ شدّ طرفه بعنقه ، والآخر بالضريح ، وهو تائب نادم ممّا فرَّط.
فسألوه عن شأنه وخبره ، فقال : لمّا نمتُ البارحة ، وأنا على الحال الذي فارقتكم عليه ، رأيت نفسي في مجتمع من أهل الفضل ، وإذا رجل دخل النّادي وهو يقول : إنّ أبا الفضل قادمٌ عليكم. فأخذ ذكره من القلوب مأخذاً حتّى دخل عليهالسلام والنّور الإلهي يسطع من أسارير جبهته ، والجمال العلوي يزهو في مُحيّاه ، فاستقرّ على كرسي في صدر النّادي ، والحضور كُلّهم خاضعون لجلالته ، وخصَّتني من بينهم رهبةٌ عظيمة ، وفَرقٌ مُقلق ؛ لما أتذكّره من تفريطي في جنب ولي اللّه ، فطفق عليهالسلام يُحيّي أهل النّادي واحداً