أخويه الإمامين عليهماالسلام مِلْءُ اُذنه ، فلم يبرح مع أخيه الشهيد عليهالسلام يفترع ربوةً ويسفّ إلى وادٍ ، لا يرى في هاتيك الثنايا والعقبات إلاّ تصديقاً لما عرفه ، ويقيناً بمنتهى أمره وغايته حتّى بلغهم نبأُ فاجعة مسلم بن عقيل ، فعرف القوم انثيال الكوفيّين عن الحقِّ ورضوخهم إلى حكم الطاغية ، هنالك خارت العزائم وأخفقت الظنون ، وطفق أهل المطامع والشره يتفرّقون عن السّبط المُقدّس ، يميناً وشمالاً (١) ، إلاّ مَن حداهم إلى المسير حقُّ اليقين ، وفي الطليعة منهم سيّدنا العبّاس عليهالسلام ؛ فإنّه لم يزدد إلاّ بصيرة في النّهضة الكريمة ، وسروراً باُزوف الغاية المتوخّاة.
فسار به وبهم (شهيد العظمة) ، وهو لا يشاهد ، كما أنّهم لا يرون كُلّما قربوا من الكوفة إلاّ تدبّر النّاس وتألبّهم عليهم ، وتتوارد عليهم الأنباء بما هو أشدّ ، لكن لم يثنِ ذلك من عزائمهم شيئاً ولا يكدي أملاً ، بل كانوا يخفّفون الخُطا ويُسرعون السّير ؛ لينتهوا إلى معانقة الرماح ومصافحة الصفاح ، أكثر ممّا يُسرع الصبُّ إلى الخود الرداح ، ومرشدُهم إلى ذلك بعد إمام الهدى عليهالسلام (أبو الفضل).
رَكبٌ حِجَازيِّوُنَ بَينَ رِحَالِهم |
|
تَسرِي المَنَايَا أنجَدُوا أو أتهَمُوا |
يَحدُونَ فِي هَزجِ التِّلاوةِ عَيسَهمْ |
|
والكُلُّ فِي تَسَبِيحِهِ يَترَنَّمُ |
__________________
(١) اللهوف في قتلى الطفوف / ٤٥.